«الجديد» تعلن تمرّدها

رفضت المحطّة اللبنانية «إعلان المبادئ» الذي أقرّه أخيراً الوزير طارق متري، وشبّهته بـ«وثيقة وزراء الإعلام العرب» التي تهدف إلى ترويض العمل الإعلامي
بعد المسودة الأولى والمسودة المعدّلة، «أقرَّ» أخيراً «إعلان المبادئ» ممهوراً بتوقيع وزير الإعلام اللبناني طارق متري. الإعلان الذي خرج الجمعة الماضي من مكتب الوزير، بعد ثلاثة اجتماعات مع ممثلي وسائل الإعلام اللبنانية، يهدف إلى «تعزيز أخلاقيات المهنة الإعلامية» حسب طارق متري. لكنّ «أخلاقيات المهنة» تلك، بدت في الوثيقة المشار إليها مجرّدة، كأنّها غير مرتبطة بالزمان والمكان، وغير خاضعة لاعتبارات أساسيّة: المال والسلطة، الانقسامات الفئويّة والمحسوبيات، ناهيك بمصالح الدول الخارجيّة. في ظلّ تسارع الأحداث والتحديات التقنيّة والمهنيّة والماديّة المختلفة المطروحة على المهنة، ها هو وزير الإعلام اللبناني يزيد الضغوط على الإعلام المحلي من خلال مجموعة مبادئ «للتأثير المعنوي» عليه!
وبمعزل عن الأسئلة البديهية الكثيرة التي يمكن طرحها بشأن أهداف الإعلان غير المُلزم، وتوقيته وجدواه وسبب انشغال الوزير متري به دون سواه من أولويات المهنة... هناك سؤال يطرح نفسه اليوم، وقد بات «إعلان المبادئ» رسمياً. ما سرّ الضبابية التي تلفّ الإعلان، وتجعل كل بند فيه «إشكاليةً» بحدّ ذاتها، تحتمل أكثر من معنى وتأويل؟ نقرأ عن «تغليب مصالح الوطن العليا»، و«القضايا التي هي محل إجماع وطني»، و«التمييز الواضح بين الخبر والرأي»، و«الامتناع عن نشر أو بث ما يتضمن إساءة إلى المشاعر والرموز الدينية»، و«الإحجام عن نشر كل ما يحض على العنف الأهلي ويدعو إلى الانتقام»، وكل نقطة بذاتها موضع تساؤل، بل اختلاف بين اللبنانيين أنفسهم، والسياسيين، والإعلاميين. ومع ذلك يصرّ معالي الوزير على أنّها «مجموعة مبادئ لا يختلف عليها اثنان، ممن يحرصون على صدقيّة الإعلام».
تلك العبارات الضبابية والمطّاطة وغيرها من التفاصيل الواردة في الإعلان، كوّنت مضمون مذكّرة اعتراضية تقدّمت بها قناة «الجديد»، معبّرةّ عن رفضها ما جاء في «إعلان المبادئ». وقد تضمّنت أسئلة تتعلّق بتوضيح بعض العبارات الواردة في الإعلان. كما سجّلت المحطة اللبنانيّة موقفاً صريحاً، رافضةً أي اجراء أو مبادرة من شأنهما الحدّ من حرية العمل الإعلامي في لبنان وترويضه. «اعتراضنا الأوّل هو على المبدأ. لماذا يقرّر وزير الإعلام أن يضع إعلاناً لتقييد المؤسسات الإعلامية في الأصل؟»، تتساءل مديرة الأخبار في تلفزيون «الجديد» مريم البسام. وتضيف في حديث مع «الأخبار»: «من الأجدى أن يهتم الوزير متري بتطوير القوانين اللبنانية الحالية، أو بتعديلها بما يتناسب مع تطوّر المهنة وتغيّرها السريع».
أما عن المسوّدة المعدّلة والإعلان النهائي، فتقول البسام إنّه «يحتاج إلى معجم توضيحي لمعظم ما جاء فيه!». كما تستغرب تكرار الوزير فكرة أنّ المشروع وُضع «بناءً على رغبة الإعلاميين أنفسهم»، مع اننا لم نسمع أي منبر اعلامي يعبّر عن هذه الرغبة يوماً.
ولا ترى البسام في هذا الإعلان المشبوه والمرفوض، سوى «مبرّر لتسكيت الإعلام»... وقالت إنّها تخشى أنّ تتحوّل هذه الوثيقة «غير الملزمة» إلى ما يشبه «وثيقة وزراء الإعلام العرب» التي تهدّد العمل الإعلامي العربي كل يوم.
لماذا إذاً لا يجتمع أهل الإعلام ليرفضوا هذا الحصار لحريتهم؟ «هذا ما سعينا إليه جاهدين خلال الشهرين الماضيين... لكن كل المؤسّسات الإعلامية غيّرت رأيها... في اللحظة الأخير