قطاع العقارات ليس آمناً كما يشاع.

قطاع العقارات ليس آمناً كما يشاع.

هكذا ينظر الخليجيون إلى السوق اللبنانية في ظل الأزمة

أدّت أزمة الائتمان العالمية إلى وقف الموجة الجنونية لارتفاع أسعار العقارات محلياً، كما غيّرت بعض أوجه الطلب الخليجي على السكن في لبنان، وحدّت من طلب المغتربين نتيجة الوضع الاقتصادي السيّئ في الخليج الذي يُعتبر مصدر 75% من مجمل التحويلات إلى لبنان... الخبراء يقولون «إن العقار يمرض ولكنه لا يموت»، فهل هذا القول لا يزال صالحاً؟


يشهد القطاع العقاري المحلي ركوداً أسهم في إيقاف الموجة الجنونية لارتفاع الأسعار، ولكنه لم يبلغ بعد مرحلة خفض الأسعار. واليوم، تنتشر اللافتات أمام المباني المشيّدة حديثاً في العاصمة معلنة عن «شقق برسم البيع»... فهل انتهت الموجة فعلياً؟ يبرر السماسرة عدم انخفاض الأسعار العقارية انخفاضاً ملموساً في السوق المحلية بوجود رهانات على طلب خليجي واغترابي محتمل هذا الصيف، لذلك يعمد أصحاب المشاريع إلى اتباع طريقة «الصمود» التي اختبروها في المراحل الصعبة السابقة ووفّرت لهم أرباحا سهلة جمّة... ولكنّ اقتصادات العقار تقوم على مبادئ معروفة منذ القدم، وأهمها «الشراء في زمن الأزمات، لأن الأسعار تكون في أدنى مستوياتها»، وبالتالي يُخشى أن لا تصيب الرهانات هذه المرّة، ولا سيما أن أزمة الائتمان العالمية لا تزال في بداياتها، وقد بدأت تداعياتها تهزّ دول الخليج التي تُعتبر مصدراً لأكثر من 75 في المئة من التحويلات والتدفقات الاستثمارية إلى لبنان التي تعدّ رافعة المبيعات العقارية.
استطلعت «الأخبار» آراء العديد من المستثمرين الخليجيين ممن شاركوا في منتدى الاقتصاد العربي، الذي انعقد لمدة يومين في فندق فينيسيا واختتم أعماله أمس، وبدت الآراء منقسمة بين من لا يزال يظن بإمكان تحقيق الربح السريع من المضاربات العقارية في أسواق كلبنان لم تكتمل فيها دورة ارتفاع الأسعار، ومن يظن أن تأثّر الخليجيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالأزمة العالمية أدّى إلى تضاؤل مداخيل الأسر الخليجية وثرواتها وتضرر محافظها المالية، وبالتالي لا بد أن ينعكس ذلك سلباً على السوق العقارية في لبنان.

استثمار غير آمن

يقول أحد المصرفيين (رفض الكشف عن اسمه) لـ«الأخبار»،«ليس هناك قطاع آمن من الأزمة، إذ إن التضخم يأكل أي استثمار في ظل الركود والأزمات. فإذا لم تُبع العقارات في الوقت المناسب لاسترداد قيمتها والحصول على الربح المتوقع منها، فإن العائد عليها بعد سنة أو أكثر يصبح ناقصاً، أي إن قيمتها الأساسية تنخفض، وبالتالي فإن قطاع العقارات في لبنان ليس آمناً كما يشاع».
ولهذا السبب يشير وزير الاقتصاد والتجارة الكويتي السابق يوسف زلزله إلى أنّ ما كان سائداً في السابق عن العقار الذي «يمرض ولا يموت» هو خطأ شائع، وهذا مثبت بدليل تراجع أسعار العقارات في بعض الدول بنسبة تتجاوز 70 في المئة، وبالتالي اتجاهها نحو الموت.
ويأتي هذا الأمر من ضمن عوامل عدّة تعبّر عن تداعيات الأزمة على هذا القطاع، فيلفت زلزله إلى أن هذه السوق لم تعد قيّمة اقتصادياً، لأن الأزمة دفعت بالمستثمرين للتوجه نحو قطاع الصناعة لأنه أجدى، كما أن الكثير من المستثمرين الذين كانوا يهتمون بالعقار في لبنان هم من أصحاب الشركات التي تضررت بفعل الأزمة العالمية، وقد تضرّرت قدراتهم المالية. في المقابل، هناك بعض الأسواق التي باتت مغرية للخليجيين أكثر من السوق اللبنانية مثل الأردن، بالإضافة إلى أن الدور الرسمي لتشجيع الاستثمارات في لبنان غائب.

 

تقلّص المحافظ الخليجية

لا يشكّ أحد في أن المحافظ الاستثمارية الخليجيّة تقلّصت، أو تراجعت قدراتها، سواء بالنسبة إلى عمليات تمويل مشاريع عقارية أو لشراء عقارات سكنيّة، مما حدّ من عمليات التمويل المفرط التي جرت سابقاً. وعلى الرغم من هذا الأمر، فإن بعض الخليجيين ما زالوا ينظرون إلى العقار اللبناني باعتباره استثماراً مجدياً، شرط أن يتوافر التمويل. فالمستثمر السعودي طلال العامر يعتقد أن «من لديه وفر مالي سيقوم بالشراء في لبنان»، فيما يعتقد مدير إدارة تطوير الأعمال في شركة مواد الإعمار القابضة فيصل العقيل أن الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في لبنان يعطي طمأنينة لأي مستثمر، فما الذي سيمنع الخليجي من شراء عقار؟.
لكن السؤال الأهم، بحسب وزير الإعلام الكويتي السابق محمد ناصر السنعوسي هو «هل بإمكان العربي الذي خسر جزءاً من مدّخراته واستثماراته وثروته أن يستثمر في العقار؟ وخصوصاً أن غالبية العقارات الفخمة المشيّدة في لبنان تأتي ضمن هدف بيعها لخليجيين في مقابل عدم وجود تسهيلات للمستثمر الخليجي الذي يعتزم تشييد مبانٍ شعبية في لبنان».
ويرسم السنعوسي صورة قاتمة يشي بها سؤاله، «فالركود في لبنان سيستمر حتى نهاية 2009 على الأقل، على عكس التصريحات التشجيعيّة التي نسمعها تكراراً. وعلى الرغم من ذلك، فإن الوضع في لبنان ليس سيّئاً جداً، بل إن عام 2009 سيكون عاماً سيّئاً، ولا سيما أن عدداً كبيراً من المهاجرين اللبنانيين عادوا إلى بلدهم الأم بسبب الركود الاقتصادي».

تغيّر المفاهيم وقلّة العرض

توقعات القطاع الخاص مختلفة وإن كانت قد بدأت تحاول الانسجام مع طبيعة الأزمة التي دفعت بعضهم إلى إجراء نقاش معمّق كانت نتيجته تعديل مفاهيم الطلب الخليجي في لبنان، إذ يرى الرئيس التنفيذي والمدير العام لشركة «دولمن» العقارية محمد عياش أن تداعيات الأزمة «أثّرت على طبيعة مشاريعنا في لبنان. فقد كان التوجه الاستثماري العقاري لأيّ مطوّر هو نحو فلل سكنية بمساحة لا تقل عن ألف متر مربع، ولكننا بدأنا اليوم بتشييد مساحات أقل تبلغ 600 متر مربع و300 متر، وحتى الشقق الصغيرة التي تبلغ مساحتها 150 متراً لتلبية كل توجّهات الزبائن الخليجيين وتشجيع كل الطبقات الخليجية للاستثمار في لبنان».
ويوافق عياش على أن الازمة «أثّرت على مواطني الخليج، إلا أنها لم تدمرهم، وحجمها لم يمنعهم من شراء شققهم الخاصة، ولبنان هو دائماً أول هدف لهم خارج بلدانهم».
لكنّ ثقة المستثمر الخليجي لا تنحصر في الزبون الخليجي وحده، فالمغترب اللبناني استحوذ على الحصة الأكبر من المبيعات العقارية في السنتين الأخيرتين، وهذا ما يشجّع العضو المنتدب لشركة «ليفانت القابضة» صلاح الميال على القول «إن السوق في لبنان ليست قائمة على الخليجي وحده، والمشكلة الأساسية فيها تتمثل في قلة العرض وعدم توافر شقق للبيع، ولهذا السبب الأسعار لن تتراجع بل سترتفع بعد سنة ونصف السنة ارتفاعاً كبيراً جداً».

3 ملايين وحدة هو الطلب العربي السنوي على الوحدات السكنية بمختلف أنواعها، بحسب تقديرات الاتحاد العربي للتنمية العقارية. وهناك حالياً 83 مليون وحدة سكنية يعيش فيها 334 مليون مواطن ينجبون 8 ملايين سنوياً بمعدل 2.4

التركّز في المدن

يعتقد بعض خبراء العقارات في لبنان أن الجانب الوحيد الإيجابي لارتفاع أسعار العقارات في المدن الرئيسية هو أنه يؤدي إلى هروب التركّز السكاني منها ويسمح بنشوء ضواح جديدة لهذه المدن يمكن أن تكون أكثر تنظيماً، بما يخفف الاكتظاظ والمشاكل الناتجة منه. ويشير محمد عياش إلى أنه يجب تطوير مفهوم التعامل مع العقارات في لبنان إلى آليات بناء وتشييد المدن، وقد تكون المخططات التوجيهية للمناطق الجبلية والمناطق البعيدة عن بيروت محفّزاً لهذا الاتجاه الذي يؤدي إلى تنمية وإنعاش القرى والمناطق الجبلية المرغوبة عربياً وخليجياً

 

محمد وهبة