لعبة الأمم في انتخابات لبنان

أسوأ الظن أن يعتقد بعض مرشحي الانتخابات النيابية في لبنان أن برنامجهم الانتخابي يحدد مستقبل بلدهم وأن قرارهم السياسي، في حال شكلوا أكثرية نيابية في البرلمان المقبل، كاف لنقل لبنان من واقع إلى آخر.

الخطاب السياسي الفوقي لبعض الأحزاب التي تخوض المعركة الانتخابية في لبنان يوحي بأنها تحضر لانقلاب سياسي أبيض يعيد ترتيب الساحة السياسية في الداخل ويعيد تموضع لبنان في المنطقة.. علما بأن أقصى ما تستطيع أن تتوصل إليه هذه الأحزاب في ظل الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط هو التأسيس لنقل صراعات المنطقة إلى الساحة اللبنانية، أو نقل لبنان بأكمله إلى ساحة هذه الصراعات، فيما المطلوب إخراجه من عين العاصفة قبل أن تتحول إلى «تسونامي» إقليمي.

بؤر التفجر في الشرق الأوسط أكثر من أن تحصى (باكستان، أفغانستان، العراق، الصومال..) واحتواء كل حالة منها قبل أن تتحول إلى عبء إقليمي داهم أصبح هم الولايات المتحدة ودول حلف شمالي الأطلسي في المنطقة.

مع ذلك يبدو التطور المرشح لأن يكون الأكثر تأثيرا على لبنان معادلة السلام الإقليمي التي اقترحها على واشنطن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، والمبنية على مبدأ «مقايضة» استقلال الضفة والقطاع بـ«وقف» برنامج إيران النووي.

قد يكون التطور الإيجابي في مبادرة نتنياهو اعترافه الضمني باستعداده لقبول «حل الدولتين». ولكن خطورة عرض «المقايضة» الليكودي أنه يطال الدولتين المتصارعتين «بالوكالة» على توجه لبنان الخارجي ودوره في المنطقة العربية، الأمر الذي يفترض أن يلتزم اللبنانيون موقف «الترقب والانتظار» حيال صراعات المنطقة.. إلى أن تتضح علاقة الإدارة الأميركية الجديدة بحكومة نتنياهو.

إذا جاز تخمين هذه العلاقة انطلاقا من المؤشرات المتوافرة حتى الآن، لا يبدو أنها ستكون محابية لحكومة نتنياهو بقدر ما كانت عليه في عهد جورج بوش، بدليل أن وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، تلقفت عرض «المقايضة» الليكودي (فلسطين مقابل إيران) بتذكير حكومة نتنياهو أنها قد تخسر دعم دول عربية ضد إيران إذا لم تحقق تقدما في عملية السلام مع الفلسطينيين أولا، متجاوزة بذلك ادعاءات إسرائيل بأن الخطر الإقليمي القائم حاليا على وجودها هو البرنامج النووي الإيراني.

هل هي بداية تحول في منحى الدبلوماسية الأميركية حيال النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟

جملة مؤشرات توحي بتوجه رئاسي أميركي مغاير عن السابق حيال حكومة إسرائيل يعكس تحررا أكبر للبيت الأبيض من عقدة «اللوبي» الإسرائيلي. وقد تندرج في خانة هذا التحرر الرسالة الدبلوماسية التي وجهها أوباما إلى نتنياهو عبر استقباله للعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في وقت تردد فيه تسريبات البيت الأبيض احتمال أن لا يكون أوباما في واشنطن في الموعد الذي اقترحه نتنياهو لزيارته في مطلع الشهر المقبل.

من المبكر الحديث عن دبلوماسية رئاسية جديدة في الشرق الأوسط في ظل استمرار النفوذ الصهيوني القوى داخل الكونغرس، ولكن من الواضح أن في أروقة البيت الأبيض مقاربة دبلوماسية جديدة لمشاكل الشرق الأوسط تفصل بين القضية الأم، القضية الفلسطينية، وقضايا «الإرهاب» التي ربطتها إدارة جورج بوش بالقضية الفلسطينية.. ثم قدمتها عليها.

في هذا السياق يمكن اعتبار تأكيد المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، تمسك الرئيس باراك بحل الدولتين كتسوية وحيدة للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وربط الإدارة الأميركية مناقشة الموقف الإسرائيلي من إيران «برضا» العالم العربي، وإعراب الرئيس الأميركي عن تفضيله الحوار مع إيران على المواجهة السافرة معها.. مواقف أميركية مرشحة لأن تتحول إلى عوامل ضغط رئيسية على حكومة الليكود في إسرائيل. وقد يكون إعلان الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، أن لا مشكلة لديه في أن يتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى اتفاق سلام يقوم على «حل الدولتين» تسليما مسبقا منه بقبول إيران مشروع التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي تجري صياغتها في واشنطن، علما بأن إيران اليوم أقرب من السابق إلى دبلوماسية التسوية في ظل ما تعانيه من تبعات هبوط أسعار على وضعها الاقتصادي.

باختصار، مستقبل لبنان يصاغ خارج لبنان. فلماذا يجهد بعض المرشحين أنفسهم للعب دور الدول العظمي؟

                                    وليد أبي مرشد (الشرق الأوسط) ، الخميس 30 نيسان 2009

                       

Ref: http://www.nowlebanon.com/Arabic/NewsArticleDetails.aspx?ID=91130&MID=87&PID=46