مسابح تبتلع روّادها ومنقذون يحتاجون لإنقاذ

مسابح تبتلع روّادها ومنقذون يحتاجون لإنقاذ
لارا، محمد، علي،كارل... 4 من 40 شخصاً غرقوا منذ بداية موسم السباحة هذا العام، في غفلة من عين السلامة العامة. غالبيتهم ماتوا للسبب نفسه: غياب المنقذ البحري وجهله بأصول الإسعافات الأولية. كل هذا، يجري في ظل تخلف قانون السلامة العامة

راجانا حمية
الأخبار 22 تموز 2009


لم تكن الصغيرة لارا عاقوري (14 عاماً) تدري أنها ستكون خبر موسم السباحة. فعندما حملت حقيبتها ذلك الصباح من أيام حزيران اللاهبة كانت تعتزم قضاء يومها الأول بعد انتهاء امتحاناتها في مسبح أحد الفنادق في بيروت المصنفة «5 نجوم». وعدت والدها بالعودة إلى البيت عصراً. لكنها لم تعد. باتت ليلتها في براد الموتى، بعدما قضت غرقاً في حوض السباحة ذاته. قبل ذلك اليوم «اشتبكت» لارا مع والدها الرافض بالمطلق لفكرة ذهابها إلى المسبح. وبعد أخذ ورد، وافق الوالد على مضض، بعدما تعهدت الابنة بأنها لن تكون وحيدة وبأنها ستذهب إلى حوض السباحة في فندق (...) لمزيد من الطمأنينة. هكذا، في الصباح، أفاقت الصبية من نومها باكراً. حضّرت حقيبتها. أيقظت والدها، مستعجلة الذهاب. لم يكن أمامه سوى هذا الخيار: إيصالها إلى حيث تريد. قبل أن يتركها، أراد انتظارها أمام المسبح، إلا أنها رفضت، واكتفت بإعطائه أرقام صديقاتها للاطمئنان.
الثالثة عصراً. اتصلت ماريتا صديقة لارا، صارخة: «يا عمو لحّق لارا». حاول، لكنه لم يصل إلا بعد فوات الأوان. ماتت لارا. لم تُبق خلفها سوى ذكريات وغرفة مقفلة وصور منثورة في أرجاء المنزل وصديقات يخبرن عن شهقتها الأخيرة.. ووالدين يعتصران حزناً في البيت أمام صورها التي تحيط بها الشموع.
لارا لم تمت في مسبح شعبي. ماتت في أفخم المنتجعات السياحية المفترض أن تكون آمنة. أما السبب؟ فهو أكثر إيلاماً من نبأ الرحيل، فالصغيرة اختنقت في «شبر ماء»، لأن المنقذ البحري المكلف مراقبة حوض السباحة لم يكن هناك من أساسه. والأسوأ من غيابه، أن لارا لم تمت من ابتلاع المياه، بحسب ما أشار تقرير الطبيب الشرعي. كانت لا تزال على قيد الحياة عندما سحبها أحد المراهقين الذي صودف وجوده هناك، ولكنها لم تستطع الصمود أكثر من دقائق عدة، بعدما عجز منقذان عن إسعافها، بسبب جهلهما آلية الإسعافات الأولية.
كانت لارا أولى ضحايا «الموسم»، لكنها لن تكون الأخيرة في هذا الموسم الذي أقفل العام الماضي على.. 150 غريقاً، قد تصبح «200 هذا العام»، بحسب تقديرات نائب رئيس الجمعية اللبنانية للوقاية من الإصابات الرياضية زياد الحلبي. أما المرعب، فليس عدد الغرقى بقدر ما هو نسبتهم إلى موسم يدوم 4 أشهر فقط! ضحايا الموسم الجديد بلغوا أربعين حسب الحلبي، لكن الكارثة في سبب موتهم. فأغلبهم غرق إما بسبب غياب منقذ بحري أو بسبب جهله آليات الإسعاف. غير أن هذين السببين على قساوتهما، لن يعفيا وزارة السياحة من تحمل جزء من المسؤولية. فاستناداً للمرسوم المتعلق بتحديد «الشروط العامة لإنشاء المؤسسات السياحية واستثمارها»، يقع على عاتق الوزارة مراقبة شروط السلامة في تلك المؤسسات، وخصوصاً «أحواض السباحة». وتكون هذه الحماية من خلال إقامة دورات تدريبية لمنقذين بحريين تستبق افتتاح الموسم.

قانون تنظيم المسابح لا ينص على عدد محدد للمنقذين المراقبين

هذا في المبدأ. لكن ما يجري في مسابحنا (220 بين خاصة وشعبية) لا يمت إلى هذا المبدأ بصلة، ولا حتى إلى المرسوم. فالدورات التدريبية التي تجريها الوزارة، بالتعاون مع إطفائية بيروت والصليب الأحمر اللبناني، غير كافية، كونها تقتصر على دورة واحدة سنوياً، لعدد طلاب لا يتعدى 20. وهو عدد غير كاف أيضاً مقارنة مع عدد المسابح التي تنبت كالفطر في كل حين. وما يزيد الطين بلة أن تعميم الوزارة الذي أقرت بموجبه إقامة دورتين تدريبيتين للذكور والإناث لم يتقدم إليها سوى 8 ذكور .. دون أي أنثى. فماذا سيفعل 8 منقذين إذا ما افترضنا أنهم اجتازوا الامتحانات؟ وماذا سيراقبون هذا العام إن كانت الدورة تنتهي قبل انتهاء الموسم بشهر؟ ومن يراقب مسابح النساء؟
كل هذا لا شيء أمام أعداد المدربين. فمركز التدريب المكلف إجراء الدورات يقتصر على مدربين اثنين «تعودت عليهما الوزارة»، بحسب تعبير المديرة العامة للشؤون السياحية ندى السردوك، وهما مدرب مادة التطبيق عثمان قاسم ومدرب المادة النظرية نظير مروش. وأكثر من ذلك، هذان المدربان ليسا حتى موظفين، فمطلع كل موسم، «تستعيرهما» الوزارة لشهر، كما تستعير مكاناً للتدريب «بالمونة» من أحد المسابح، كما يقول قاسم.
رغم هذا، «تطورت الوزارة شوي»، يقول. فقبل سنوات كانت الوزارة تترك لـ«سعدان المي» كما لَقَّبَ رئيسُ الجمهورية السابق إميل لحود المدرب قاسم، كل شيء: التدريب وتدبير المكان وحتى طباعة شهادات الناجحين. يتحمل الرجل كل هذا لعشقه البحر. يتذكر اضطراره في دورة تدريبية خارج لبنان «لشراء كنزات من البربير، وخياطة الأرزة عليها بإيدي». كما يؤمن بأن «لا أحد يهوى الإنقاذ إلا إذا كان يحب البحر، والمشكلة اليوم أن لا أحد يحب لمجرد الحب، بل لكسب المعيشة». لتلك الأسباب، قليلون يستهويهم عمل الإنقاذ، فهو «بلا ضمانات وغير معترف به كعمل أساساً، إضافة إلى أنه عمل العاطلين من العمل وطلاب الجامعات الباحثين عما يسد حاجياتهم»، يعلق مروش. لكن هل يعذر هذا النقص في المنقذين؟ أبداً. فالعدد الذي يحتاج إليه الموسم ليس ضخماً، كما أن من واجبات الوزارة أن تقدم للمنقذين ظروف عمل ترغبهم به.
لكن يبدو أن المبادرات في هذا المجال تقتصر على هذين المدربين. لا بل إنهما أقاما دورات موازية على نفقتهما الخاصة. لكن، ماذا ستفعل هذه الدورات، في ظل استعانة «عدد لا بأس به من المسابح بمراقبين من دون شهادات»؟ بحسب ما يشير الحلبي، والأكثر من ذلك، من يحمي المغامرين على الشواطئ والمسابح الشعبية؟ ولئن كانت السردوك قد لفتت إلى «أن الوزارة تقوم بجهد بالغ هذا العام من خلال التعميم على أحواض السباحة المرخص لها تزويدها بأسماء المنقذين ونسخة عن شهاداتهم تحت طائلة العقوبة»، فمن يراقب الأماكن غير المرخص لها؟ لا تملك السردوك إجابة عن هذا السؤال، ولا حتى الضابطة السياحية، التي يقتصر جهازها على 16 مفتشاً سياحياً و12 شرطياً سياحياً لكل المناطق اللبنانية.
تركز الوزارة اليوم حسب السردوك، على تعزيز التوعية وتوزيع منشورات السلامة العامة على المؤسسات السياحية. «هذا ليس كافياً»، يعلق الحلبي. لذلك عمل على اقتراح قانون جديد لتنظيم الحمامات البحرية وأحواض السباحة سيقدم مسودته لوزارة السياحة. وربما تنظم هذه المسودة «عمل المنقذ البحري، فلا يعود منقذاً ولفيف سندويشات».
لكن، المشكلة لا تقف هنا، فقانون تنظيم المسابح 1970، بحد ذاته لا يراعي شروط السلامة العامة، لأنه «غير سليم من الأساس»، حسب الحلبي. الذي يشرح أن القانون لا ينص على عدد محدد للمنقذين المراقبين في المسابح، كما ليس فيه بند متعلق بالمخالفات، وربما كان هذا السبب في عدم قيام شرطة السياحة «بتسجيل أي مخالفة منذ عام 2001»!
8 سنوات مرت على آخر مخالفة. خلال هذه الأعوام غرق أكثر من 500 شخص، 150 بينهم غرقوا العام الماضي بظرف 4 أشهر، أي بمعدل غريق لكل يوم.. وزيادة.

 


منقذون بالصدفة

عندما يصبح من الصعب «استعارة» منقذٍ بحري مدرّب، لا يبقى أمام رواد البحر وأحواض السباحة سوى أن يمتهنوا الإنقاذ للحظات علّهم ينجحون في إعادة الحياة لمن يفقدها. وهذه الفئة من المنقذين يُطلق عليهم اسم «منقذي الصدفة» حسب زياد الحلبي. ويشرح ان لا علاقة لهؤلاء بالإنقاذ سوى أنهم «تحمّسوا لانتشال شخصٍ من الغرق، قد يكون قريباً، لا أكثر ولا أقل. وفي حالة هذا المنقذ، لا تكون النهاية دائماً سعيدة، فأكثر من 70% من حوادث الإنقاذ من هذا النوع، تكون نهايتها غرق المنقذ». هنا، في هذا الموت، تنقلب المعادلة، يأخذ «الغريق موضع القتال، من دون قصد، مستحوذاً على الدقائق التي يستهلكها المنقذ تحت الماء في عمليّته، ويصبح الأخير هو الضحيّة». ففي هذه الوضعية «يصل الغريق إلى مرحلة يسمى فيها الغريق الشرس، لا يسمع أحداً، وقد يتعلّق بأي شي كي يعوم عليه ولو كان المنقذ». وفي مثل هذه الحالة، لا يعود المنقذ قادراً على.. إنقاذ الموقف ويتحوّل إلى غريق متعب بعدما يسلبه الغريق الشرس في المعركة ما له من وقت.