من «قسمة ونصيب» إلى «ستار صغار»: الإنسان مادة للترفيه

ماهر منصور

حتى وقت قريب، كانت صورة المرأة المسلوبة الإرادة في مسلسل «باب الحارة» الشهير مثار انتقاد كثيرين، وقد بدا مثيراً لسخط نشطاء بعض المنظمات الحقوقية والنسوية تصوير المرأة كجارية في مجتمع عرف تاريخه نساء كثيرات دخلن غمار العمل السياسي والاجتماعي وخضن معارك إلى جانب الرجل، سواء في مقاومة الانتداب الفرنسي وصولاً إلى مرحلة الاستقلال وإرهاصات تشكيل الدولة وقتها. وبينما كان المدافعون عن تلك المشاهد يردون بأن الدراما صورة عن الحياة وليست كل الحياة، وهي مجرد حكاية مفترضة فيها من الخيال واللامعقول مساحة تكفي لإثارة ما يعرف بالصراع الدرامي الذي يثير بدوره ما يمكن تسميته بالتشويق الدرامي، لم تجرؤ أي من تلك المشاهد الدرامية على امتهان المرأة، فلم تصل بها حدود الإسفاف إلى تصويرها كسلعة معروضة للبيع والتصويت، بعكس ما فعلته قناة «أل بي سي»، تحت شعار «الواقع» في برنامج «قسمة ونصيب». اللافت ان برنامج «قسمة ونصيب» قد عرضت أولى حلقات موسمه الثاني مساء الجمعة المنصرم على إيقاع أنباء إعلامية تقول بأن عروسي الموسم الأول للبرنامج باتريسيا وباسل الصمد أعلنا انفصالهما عشية انطلاق الموسم الثاني منه. وبغض النظر عن صحة الخبر أو عدمه، فإن نقض فكرة الأرضية الصلبة والصحية للعلاقة (بغض النظر عن ديمومتها) بين شريكي حياة اختارا بعضهما في بيئة معزولة تحت أنظار «كاميرا الواقع»، ليست صعبة، ولو أن القناة حرصت على الترويج للعروسين بالقول انهما «أشهر حبيبين في الوطن العربي».
الصورة الموحشة للمرأة، وربما المهينة، بدأت حين تم اختيار 13 صبية مقابل سبعة شبان ظهروا مع أمهاتهم السبع، في دور شهريار، ليعيدوا الزمن إلى عصر الحريم وسي السيد باختيارهم عروساً من ثلاث عشرة صبية من مختلف الدول العربية.
في البرايم الأول، على الأقل، لا مكان لتاريخ طويل من نضال المرأة لأخذ مكانها بالمساواة مع الرجل لا خلفه. فها هو أحد التقارير ينقل صورة الصبايا وهن يتراقصن ويتغنجن داخل شاشة كبيرة يجلس أمامها شبانه البرنامج ليدققوا بدلع الفتيات ووغنجهن وجمالهن، في تذكير بضرورة ان ترضي شهرزاد شهريار، تمهيداً لوضع علامات تم بنتيجتها إقصاء المصرية شيماء عبد الله من مصر، بعدما حصلت على أدنى نسبة من تصويت الشباب (56,7 %). إذا المرأة السلعة وقدرتها على الإغواء والدلع تأتي أولاً. تعود الصورة المهينة للمرأة لتتجدد مرة أخرى حين قامت الأمهات «الحماوات»، بتسمية أربع فتيات، بناء على الانطباع الأول، ليدخلن دائرة خطر الخروج من البرنامج بانتظار تصويت الجمهور، اللهم إلا إذا تدبرن تغيير نظرة الأمهات إليهن خلال أسبوع كامل يقضينه معاً في بيت واحد. وفي هذا كله إهانة جديدة، إذ يفترض أن تشعل الفتيات الأربع أصابعهن شموعاً ليظفرن برضا الأمهات ـ الحموات وكل ذلك من أجل هدف واحد هو: الظفر بعريس ونيل رضا الحماة؟
حدث ذلك كله مساء الجمعة، وبعد مساءين اثنين، كانت «أبو ظبي» تعيد إنتاج الصورة ذاتها مع اختلاف في التفاصيل. فسعي بعض النساء الدؤوب خلف عريس، حلت مكانه في برنامج «ستار صغار» رغبة الأطفال (وأحياناً أهلهم قبلهم) بجائزة ولقب يسمح لهم بتقليد نجوم شاهدوهم على الشاشة (على غرار ما حدث في برامج مثل «ستار أكاديمي» وغيره). أما وسيلة إغراء الجمهور بالمتابعة فتقوم هنا على مبدأ «الصغار يغنون أغاني الكبار»، جاعلين من مفارقة الكلمات والألحان مثار ضحك للجمهور. وبطبيعة الحال كانت قمة المفارقة ان يغني الأطفال أغاني أحلام وشمس وراغب علامة ووعد وغيرهم! فها هي طفلة تغني «أخليك تندم»، وتتوعد الحبيب و«تردح» له ، والجمهور يضحك أو يصفق من دون أن يعي ان الطفل بكل براءته قد تحول إلى فرجة، وأنه يتم فرض أغان عليه لا تتناسب مع عمره ولا تراعي حساسيته النفسية. والمثير أن ذلك كله يأتي وسط نقاشات إعلامية حادة حول ضرورة التزام الإعلام العربي بتحديد الفئة العمرية لكل برامجه. وحتى الساعة يصعب ان نعرف إن كان برنامج «ستار صغار» موجهاً للأطفال أم أنه موجه للكبار... والسؤال في كل الحالتين سيحمل أجوبة موحشة.
في كثير من البرامج اليوم، يبدو المشاهد نفسه والشخص المشاهَد ـ سواء كان امرأة (في «قسمة ونصيب») أم طفلاً (في «ستار صغار») هو الضحية، ولو تحت ستار حلة حداثية من حيث الشكل، تخفي تخلفاً من حيث المضمون، أو لنقل رجعية فكرية يبدو معها «باب
الحارة» أكثر رحمة لناسه ومشاهديه من معظم ما يقدم تحت عنوان عريض هو الترفيه

Reference: tayyar.org