يا حُماة الفضيلة... اتركوا لنا الضحك!

 يا حُماة الفضيلة... اتركوا لنا الضحك!

بيار أبي صعب

تركْنا طوني خليفة نجماً لبرنامج إثارة بنى مجده على نبش الغسيل الوسخ، لنجده مدافعاً عن الأخلاق و«كرامة الطوائف». لقد قرّر وحده، بنظرته الثاقبة، أنّ رجال الدين تعرّضوا لـ«إساءة فظيعة» في برنامج فكاهي للنكات، على محطّة منافسة لتلك التي تبثّ برنامجه «الروحاني»، فهبّ لنجدة الحقّ. أي رجال دين؟ وأية إساءات تحديداً؟ قفشات برنامج النكات على Otv اللبنانيّة في سهرة رأس السنة، كانت جارحة إلى هذا الحدّ؟ لماذا لا يتمّ اللجوء إلى القضاء إذاً؟ ثمّ ما المعايير التي ترسم الحدود بين المسموح والممنوع، بين «المهضوم» والجارح؟ تلك الأسئلة المشروعة ـــــ وغيرها مما يطاول عشرات البرامج الفكاهيّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي تفتقر، على الفضائيّات اللبنانيّة، إلى أبسط القواعد المهنيّة والفكريّة والجماليّة والأخلاقيّة المعمول بها في أي بلد يحترم ذائقة الأفراد ووعيهم وذكاءهم ـــــ لم يجب عنها طوني خليفة في آخر حلقات «للنشر»، برنامجه على تلفزيون «الجديد». ولا نعرف إن كانت تهمّه أصلاً. نعرف أنّه برع ليلة السبت في فنّ التهويل. اختار التلاعب بحساسيّات الناس، ماضياً في التعميم والتضخيم والاختزال والمقاربات العشوائيّة. مثلاً ردّ الفعل على إحدى حلقات «بس مات وطن» (lbc، يونيو 2006) الذي لمّح إليه من دون ذكره، كان سياسيّاً لا دينيّاً... وفي كلّ الأحوال، هل لهذا المثال السيّئ الذكر الذي تلذّذ في استحضاره مراراً وتكراراً، من وظيفة إلا تحريك الجراح الأهليّة؟ في السياق نفسه، يمكن أن نفهم الذين عدّوا «محاكمة» LOL ـــــ من دون دفاع أو حتّى تدقيق في التهم ـــــ حملة مخططاً لها سلفاً، لتلطيخ سمعة المحطّة البرتقاليّة.

على حين غرّة، انقلب الإعلامي محامي ادّعاء، يدين زملاءه من دون قراءة عقلانيّة متمهّلة لما حدث. فوجئنا به يحرّض الجمهور على التعصّب الطائفي والديني، وعلى الانغلاق الذهني وتقليد أسوأ النماذج الأصوليّة والسلفيّة. لم ينتبه إلى كونه يمهّد لمبادرات خطيرة من شأنها تحجيم حريّة التعبير... كالعادة باسم الأخلاق! تلك الرسالة السامية، واصلها من بعده عبد الهادي محفوظ الذي نسي أمس أنّه رئيس «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع»، وهي للأسف مؤسسة غير مستقلّة، كما الأصل الفرنسي الذي نسخت عنه، ولا تملك أية صلاحيّات، ولا تملك حتى موقع إنترنت. ألقى الرجل عظة أبويّة عصماء، على طريقة القرن التاسع عشر، محذراً معاصريه من «الإيحاءات الجنسيّة» و«الانحلال الاخلاقي». بل أطلق حكمته التي ستدخل بلا شكّ كتب العلوم السياسيّة: «إن إثارة الغرائز الجنسيّة أخطر من إثارة النعرات الطائفيّة».

أيّها السادة، حماة الفضيلة، يا أحفاد Tartuffe في جمهوريّة أوبريت تخاف من برنامج فكاهي... لقد أخذتم كل شيء، حتّى المستقبل، في هذا الوطن ـــــ الكاباريه الذي لم يعد لأبنائه. على الأقلّ اتركوا لنا الضحك!

Reference: Tayyar.Org