الحكم الذي واكب "حدث الطائرة" بمظلة قانونية إستثنائية

سجلَ الإجتهاد القانوني وثبة نوعية باصدار القاضي جون القزي حكما يعتبر احد ضحايا الطائرة الاثيوبية غائبا في حال يغلب عليها الهلاك. ومكنَ الحكم احد وكلاﺀ العائلة بادارة ممتلكات "هذا الغائب" والتصرف فيها تحت إشراف المحكمة بعد مدة زمنية قصيرة من غيابه. وبهذا يكون الاجتهاد قد سدّ ثغرة في نص القانون كانت تنتج عنها تعقيدات متعددة الاوجه ابرزها استغراق القضايا المماثلة لوقت طويل أمام المحاكم. ويحاكي الحكم خصوصية مأساة الطائرة المنكوبة التي استدعت مقاربة "ترتقي الى درجة الرعاية والمواكبة، تقابل الحدث الصاعق بما يؤمن مظلة قانونية استثنائية، ولو اختصرت مراحل التحقيق".. وقد توسعت هذه المقاربة التفسيرية للنصوص، "تقاطعا وتكييفا وتصنييفا، طالما ان الواقعة هي عامة، بمتناول الجميع، وللقاضي في هذه الحال ان يبني عليها ومن خلالها السند المبرر لترسيخ القناعة وتجاوز بعض الشكليات في التحقيق التي تستدعي وقتا".

وفيما يلي تنشر صدى البلد نص الحكم الذي صدر اول من امس:

إن محكمة الدرجة الاولى في جبل لبنان. الغرفة الخامسة في جديدة المتن، الناظرة في قضايا الاحوال الشخصية، برئاسة القاضي جون القزي وعضوية القاضيين رنا حبقا ولميس كزما. وبعد الاطــلاع على الاوراق، ولدى التدقيق في مآلها، تبين لها ان المدعي (نتحفظ عن ذكر الاسم)، قدم بواسطة وكيله الاستاذ ريمون الهاشم، استدعاﺀ تسجل لدى القلم بتاريخ 2010/2/8 بالرقم /624، 2010 طلب بموجبه بصفته والـــدا للسيد (....) الــذي كــان مــن عـــداد المسافرين على الطائرة الاثيوبية المنكوبة، وجدا للولدين (....)، القاصرين، تظهير مظهر قــانــونــي (...) يمكّنه من العناية بمصالحه وعائلته لحين جــلاﺀ واقــع الــحــال، مدليا بالحاجة الدافعة والماسة الى اتخاذ القرار حفاظا على الحقوق وهو ابرز تأييدا وتدليلا المستندات الآتية: 1- البطاقة الالكترونية الخاصة بالسيد (...) 2- صورة جريدة البلد، صفحة الوفيات - 26- 3- بيان قيد عائلي للسيد (...) 4- سجل عدلي حديث عائد للمستدعي 5- جردة بالاموال المنقولة وغير المنقولة وبــنــاﺀ عليه ولـــدى الــمــذاكــرة، وحيث ان المحكمة، ومنذ وضعت يدها على حيثيات هذه القضية، استوقفتها، واقعا وقانونا، ضميرا ووجدانا، الخصوصية التي تلازمها، تبعا لمأسوية الفاجعة، وكارثية النتائج، مع تراخي وجع الانتظار على رجــع آمــال وآلام تــتــراوح بين غياب يغلب عليه حــال الهلاك، وبــيــن وجــوبــيــة الـــقـــرار الــحــاضــن والحامي والحافظ...

وحــيــث أن الخصوصية هــذه، تقوم على ظــروف واقعة الغياب الــمــريــرة وملابساتها المأسوية، مــع عـــدم وجــــود جــثــة تــتــيــح في هذه المرحلة إعــلان الوفاة قانونا وترتيب النتائج على صعيد الارث والوصاية والقيمومة... في موازاة تعدد وسائل التحقيق المفروض اعتمادها في حال الفقدان والتي عرض لها قانون 1959/6/23 (قانون الارث لغير المحمديين) في المادة 33 منه وما يليها، وهي تستغرق وقــتــا ضمن آلــيــة ملحوظة واقعا ومدى، تصل الى الاربع سنوات.

وحــيــث ان خصوصية مأساة الطائرة المنكوبة، انما تستدعي والــحــال هــذه مقاربة ترتقي الى درجــة الرعاية والمواكبة، تقابل الحدث الصاعق بما يؤمن مظلة قانونية استثنائية، ولو اختصرت مـــراحـــل الــتــحــقــيــق، وتــوســعــت المقاربة التفسيرية للنصوص، تقاطعا وتكيفا وتصنيفا، طالما ان الــواقــعــة هــي عــامــة، بمتناول الجميع، وللقاضي في هذه الحال ان يبني عليها ومن خلالها السند المبرر لترسيخ القناعة وتجاوز بعض ا لشكليا ت فــي ا لتحقيق التي تستدعي وقتا، من دون ان يصنف الامر في خانة المعلومات الشخصية، وذلك بصراحة المادة 141 من قانون الاحوال المدنية وحــيــث ان، للقضاﺀ وتفعيلا لاحــكــام الــمــادة 589 مــن قــانــون الاصول المدنية ان يتوسل التدابير المؤقتة والاحتياطية الضرورية لحفظ الحق ومنع تفاقم الضرر وحيث ان حال الغياب المعروضة راهـــنـــا، انــمــا هــي حـــال يــلازمــهــا ويظللها الهلاك، ما يجعل المحكمة مقتنعة بحيثياتها المبررة لترسيخ القناعة، بدون الحاجة الى تحقيق اضــافــي، فــالــمــســتــنــدات الــمــبــرزة تبين ان السيد (...) كان في عداد المسافرين في رحلة الموت التي قادت الطائرة الاثيوبية فجر /25 2010/1 الى قعر البحر، بعد دقائق من اقلاعها في المطار في بيروت، وقــد انتُشلت فــي ايــام الانتظار النازفة، جثث عدد من الركاب، لم يكن السيد (...) من بينها، حيث صلى اهله، والده المستدعي وولداه القاصران (...)، ومحبوه على نيته يوم الثلاثاﺀ في /2/2، 2010 كما فعل الكثيرون من عوائل الغائبين المنتظرين على جمرة الوجع.

وحـــيـــث ان الــمــحــكــمــة وهــي تكتفي بما قام لديها في الملف مــن اثــبــاتــات، وتبعا لما استقته من معلومات عامة هي بمتناول الجميع، وبــهــدف تأمين حقوق الــولــديــن الــقــاصــريــن (...)، ولــدي الغائب، على الصعيدين المعنوي والــمــادي، انما تجد فــي مؤسسة القيمومة على اموال الغائب الاطار الانجح في هــذه المرحلة لتأمين هذه الغاية، عبر تعيين المستدعي والد الغائب وجد القاصرين، وهو المفجوع بصبر والمرتجى بإيمان والحاضن لحفيديه، يرعاهما بعد طلاق والديهما واستقرارهما مع الوالد، قيما على اموال ابنه الغائب، يديرها تحت اشراف المحكمة، بما يتلاﺀم ومصلحة العائلة لحين جلاﺀ واقع الحال حيث يصار الى اجراﺀ المقتضى الملائم.

فانها تقرر بالاتفاق، وفي هذه المرحلة: : اولا اعتبار السيد (...) غائبا في حال يغلب عليها الهلاك ثــانــيــا: تعيين المستدعي السيد (...) قيما على اموال ابنه الغائب (...) له وعليه، ما للقيّم وعليه من حقوق وواجبات، على ان يمسك دفترا خاصا بالقيمومة، يــدّون فيه حركة الاموال، المنقولة وغير المنقولة، تحت اشراف المحكمة، ويقدمه اليها عند الاقتضاﺀ.

ثــالــثــا: ابـــلاغ امــانــة السجل العقاري المختصة لتدوين اشارة هذا القرار على صحائف العقارات الخاصة بالغائب.

رابــعــا: ابــلاغ المصارف حيث للغائب حسابات مصرفية مآل هـــذا الــقــرار لاجــــراﺀ المقتضى المتلائم وحيثياته.

خامسا: حفظ حق المستدعي القيّم، بصفته هــذه، بمراجعة الــمــحــكــمــة لاتـــخـــاذ الــتــدابــيــر الاحــتــيــاطــيــة الــحــافــظــة لحقوق الـــقـــاصـــريـــن، ولـــــدي الــغــائــب، حفيديه، ادارة وتراخيص، عند الحاجة.

سادسا: ابقاﺀ النفقات على عاتق من تحملها.

ســابــعــا: وعــلــى ان ينظر في ضــوﺀ ذلــك بالمقتضى تبعا لما يستجد.