حزب الكتائب لا يقوى على "وردة" ... حتى الآن

حزب الكتائب لا يقوى على "وردة" ... حتى الآن


إيلي الحاج  -
تدور خلف الكواليس في بيروت معركة صامتة ولكن شرسة على ملكية إذاعة "صوت لبنان"، التي لا تزال تحتفظ منذ تأسيسها خلال الحرب الأهلية عام 1975 بأعلى نسبة من المستمعين نظراً إلى أسبقية إنطلاقتها بين بقية الإذاعات مما يعطيها أفضلية مهما ساءت أحوالها ومرت بظروف دقيقة، على غرار محطة "أل بي سي" التي يتنازع على ملكيتها قضائيا رئيس مجلس إدارتها مديرها العام بيار الضاهر وحزب "القوات اللبنانية". لكن الجديد الذي طرح موضوع "صوت لبنان" بإلحاح في الأيام الماضية هو وفاة رئيس مجلس إدارتها مديرها العام سيمون وهيبي الخازن في عز نزاع  على الملكية مع مؤسس الإذاعة حزب الكتائب اللبنانية. نزاع يلفه المعنيون به بالسرية المطبقة والتكتم الشديد، فلا تتطرق إليه الصحف ولا وسائل الإعلام ولاحتى تلميحا، لكأنه غير قائم.  

بيروت: بصوت باكٍ أعلنت الإعلامية وردة الزامل، وفاة الخازن قبيل ظهر الثلاثاء الماضي ، وشددت في نعيها العاطفي على أنه نقل الإذاعة من فئويتها وحزبيتها إلى الموضوعية، معاهدة على السير على خطاه. وردة هي مديرة البرامج السياسية والمديرية التجارية في "صوت لبنان"، لكن دورها فيها منذ أعوام أهم من هذين الموقعين حتى أيام الخازن ويصح القول إنها أمسكت بموقع القرار بفضل شخصيتها "القوية" وشبكة علاقات سياسية ومالية في لبنان وخارج حدوده نسجتها مدى سنوات في عملها الشخصي- الإعلامي- السياسي- المالي. وغني عن القول إن المقصود بالصفة الفئوية والحزبية التي كانت للإذاعة هو حزب الكتائب الذي كانت تبدأ بثها وتختم بنشيده "هيا فتى الكتائب".

كان الخازن يعاني مرضاًعضالاً وصودف أنه كان يتلقى علاجاً من مرضه العضال عشية وفاته في مستشفى مار يوسف - الدورة الذي تترأسه الراهبة أرزة شقيقة رئيس حزب الكتائب، الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميّل الذي كان في زيارة في المستشفى لإحدى شقيقاته التي ألمت بها وعكة، ولما علم بأن الخازن هناك أيضاً زاره في "لقاء وداع" استمر ساعة ونصفاً.

بعد إعلانها خبر رحيل الخازن حملت "وردة " على الجميّل أمام بعض الأشخاص  فكانت البداية للمعركة الصامتة، ورفضت في البدء نعي حزب الكتائب مع أن الخازن حزبي وشغل مرة منصب نائب رئيس الحزب فضلا عن عضويته في المكتب السياسي، لكن مداخلات أدت إلى تجاوز هذه العقدة .

 وخلال مراسم الدفن في كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت تقبل الجميّل التعازي نحو ساعتين وبعدما غادر حل محله نائبه في الحزب شاكر عون، لكن الرجل ما لبث أن فوجىء بالإعلامية وردة تطلب منه الإنتقال إلى الصفوف الخلفية، ولما أوضح أنه يمثل الرئيس الجميّل أجابته بأنه ليس وزيرا ولا نائبا ولا صفة له وعليه الجلوس في المقاعد الخلفية، فانتقل إليها مستاء. وبدا واضحاً أن عائلة الخازن باستثناء زوجته تؤيد قيادة "وردة" للمعركة من أجل إبقاء حزب الكتائب المطالب باستعادته الإذاعة، بعيداً عنها.

وكان في الكاتدرائية سجل تعازٍ لأسرة "صوت لبنان" كتبت عليه الشخصيات المشاركة عبارات المؤاساة التقليدية، باستثناء رئيس اللجنة المركزية في حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي كتب: "إلى اللقاء، قريباً". عبارة ترجمتها "سنستعيد الإذاعة قريباً" عرف بها الموظفون العاملون فيها، وزادت التشنج المكبوت بين معظمهم و"وردة" التي دعت إلى اجتماع عام استثنائي سينعقد قريباً.

في بدايات الأزمة: خلال السنة 1992، في عز السيطرة السورية على لبنان، وضع قانون للإعلام فرض إنشاء شركات مختلطة بأسماء أشخاص لطلب تراخيص لكل وسيلة إعلامية وفق شروط معينة.

بالطبع كان التطبيق استنسابيا ووفقا لمنطق الحصص . كان آل الجميّل مبعدين عن لبنان والحزب آنذاك، وأسس حزب الكتائب بقيادة رئيسه الراحل جورج سعادة الراحل شركة "الشركة العصرية للإعلام"، رئيس مجلس إدارتها مديرها العام سيمون الخازن الذي كان يعتبر مهندس العلاقات بين الحزب ومراكز القرار السورية في لبنان في تلك الحقبة.

بعد وفاة سعادة ظل الخازن من القريبين من رئيس الحزب الوزير السابق كريم بقرادوني الذي كان بدوره يعدّ من الدائرة الضيقة التي أحاطت بالرئيس السابق للجمهورية إميل لحود . ولكن بعد عودة آل الجميّل إلى الكتائب وتسلمهم الحزب غيّرت الإذاعة اتجاهها السياسي بطريقة "مدوزنة" جعلتها مؤيدة لقوى 14 آذار/ مارس ولكن من خلال آل الحريري وليس الجميّل مع مراعاة دائمة لأخبار الكتائب ورئيسها.

وعندما بدأ البحث في وضع المؤسسات الحزبية تبين للجميّل إن الإعلامية وردة خصوصا حبكت علاقة خاصة مع زوجة الرئيس الراحل رفيق الحريري السيدة نازك المقيمة دوماً في باريس ساهمت في تأمين نوع من "مظلة" مالية - سياسية للإذاعة من خلال قرض من "بنك البحر المتوسط"، كان الخازن يردد إن قيمته لا تتجاوز مليونا ونصف مليون دولار وكان في الأساس من مصرف Allied bank الذي اشتراه "المتوسط" فانتقل الرهن إليه، فضلاً عن عقد مع شركة FMS - Future marketing services  التي تتولى تأمين الإعلانات للمؤسسات الإعلامية التابعة لـ "تيار المستقبل" : تلفزيون المستقبل، قناة أخبار المستقبل، جريدة المستقبل، إذاعة الشرق. بموجب هذا العقد تلتزم شركة الإعلانات تقديم مبلغ لا يصل إلى مئة ألف دولار في حده الأ]نى يكفي لتوفير الجزء الأكبر من مصاريف الإذاعة وضمان إستمرارها. لكن ثمة ألسنة يتعاطى أصحابها هذا الموضوع تقول إن هذا هو الوجه المعلن من المساعدات، وإن هناك "حقيبة سوداء" موازية تفتح لقاء خدمات سياسية - إعلامية، إنما يظل يعوزهم الدليل.

هل طالب الرئيس الجميّل رئيس "تيار المستقبل"، حليفه الذي أصبح رئيس الحكومة سعد الحريري بمساعدته في استعادة الإذاعة، نظرا إلى أن مال الحريري هو الذي يمدها بالحياة ؟ لا أحد يعرف، وبالأحرى لا أحد يفصح. لكن الأكيد إن حملة قيادة الكتائب التي اتخذت طابع التحامل والتهجم أحياناً على الأمانة العامة لقوى 14 آذار/ مارس، وإعلانها انسحاب الحزب من هذه الأمانة والإطار التنظيمي للحركة مع بقائها في "14 آذار" انطلقت  من هذه الخلفية. وربما راكم تخصيص الكتائب بمقعد واحد في الحكومة وعدم إيكال وزارة التربية إليه بل وزارة الشؤون الإجتماعية، إستياء الحزب الحساس في موضوع التعامل معه وحجمه الشعبي والسياسي، فضلاً عن شعوره بأن حقه مسلوب ما دام لم يستعد "صوت لبنان" التي نقلها الخازن و"وردة" من ولاء إلى ولاء .

 يذكّر كتائبيون بأن آخر شخص اتصل به وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان الذي حكم لبنان طويلاً قبيل "انتحاره"، كان بـ"وردة"، في إشارة تحمل الكثير من الدلالات ( ثمة طرفة تُروى عن الرئيس الراحل لحزب الكتائب جورج سعادة إذ اشتكى بعض المسؤولين الحزبيين أمامه من حال الإذاعة وسألوه هل هذا قدر لـ"صوت لبنان" أن تحكمها غمرأة؟ فأجابهم بسرعة بديهته :"روقوا يا شباب ، كل واحد منكم عنده وردته").

الكتائب والإذاعة و"14 آذار"

 عودة إلى الجدّ: طبيعي أن تثير حملة الكتائب على الأمانة العامة لقوى 14 آذار بعيد تأليف حكومة الحريري حيرة لدى المهتمين غير المطلعين على دقائق الأمور. فلا أحد في لبنان حتى الآن يعرف إذا كان حزب الكتائب هو عضو في ذلك التحالف أم لا، ولا الكتائبيون يعرفون، وفي الحالين لم تقدم الحزب تعليلاً لموقفها الملتبس أقله إلى المحازبين.
 
ومرة أبلغ مسؤول في الأمانة العامة قيادة الكتائب صراحة : "مشكلتكم ليست معنا وليس في يدنا حلها ، هذه مشكلة( الإذاعة) عليكم أن تحلوها مع سعد الحريري". ولعل أكثر ما يحمل على الإقتناع بأن موضوع الإذاعة- الذي تفضل قيادة الحزب معالجته بعيدا عن الأضواء - حكم مواقفها لفترة ، هو تصدي مستشار الرئيس الجميّل سجعان القزي، الموعود بتولي إدارة "صوت لبنان" بعد استردادها، لدور دونكيشوتي في الهجوم على كل ما يمت إلى "الأمانة العامة"، تعويضاً عن عدم القدرة أو عدم الرغبة في التصويب على الحريري و"المستقبل" اللذين يتسبب الإشتباك السياسي والإعلامي معهما بخسائر أكيدة للكتائب.

سجعان القزي نفسه الذي اضطلع لفترة بدور المستشار العقائدي للرجل الثاني القوي في الكتائب النائب سامي الجميّل كان تولى بناء على تكليف من الرئيس الراحل بشير الجميّل تأسيس "إذاعة لبنان الحر" التي عادت إلى حزب "القوات اللبنانية" بقيادة رئيسه سمير جعجع، في حين بقي حزب الكتائب محروما وسيلة إعلامية توصل صوته إلى جمهور واسع، رغم أنه أعاد إصدار صحيفة "العمل"، أسبوعية وبحجم تابلويد ، في خطوة رمزية للكتائبيين، وأطلق موقعا إلكترونياً صاعداً.

 إلا أن تأثير سجعان القزي الداعي إلى نظام فيديرالي للبنان في نجل رئيس الحزب يثير جدلاً والتباسات لدى القريبين من الحريري، فهؤلاء يتحدثون عن فرق واضح في مقاربة الأمور بين النائب سامي الجميّل وشقيقه الوزير بيار الجميّل الذي اغتيل بسبب التزامه القوي مع 14 آذار التي تعني الشراكة المسيحية- الإسلامية، في حين تنم مواقف النائب سامي عن يأس من المسلمين اللبنانيين، وتفضيل للإنفصال عنهم رغم أنهم يرفعون شعار "لبنان أولاً" الأثير لدى الكتائب أباً عن جد .

 وذلك في موازاة تقرب النائب الجميّل من حلفاء "حزب الله" ودمشق المسيحيين، من النائب الجنرال ميشال عون إلى النائب سليمان فرنجية.  في ظل هذا الواقع يستبعد هؤلاء القريبون من الحريري أن يقدم الرجل بسهولة هدية إلى الجميّل وسيلة إعلامية قوية يمكن أن يستخدمها من خلال سجعان القزي المتحفز لأسبابه الشخصية على ما توحي مواقفه أحياناً، للتنكيل بمن باتوا يعرفون بـ "مسيحيي 14 آذار"، فكيف إذا أضيف إلى هذه العوامل واقع "العلاقة الخاصة" بين "وردة" والسيدة نازك التي يجلّها سعد الحريري؟

الدعوى القضائية جاهزة

هل يقدم حزب الكتائب دعوى قضائية ضد "وردة" واستطراداً ورثة الخازن الممثلين بنجله عماد الذي عينه والده الراحل نائباً له في الشركة التي تدير الإذاعة؟ تكشف مصادر حزبية لـ "إيلاف" إن الحزب غير مستعجل اللجوء إلى القضاء ويفضل حل المشكلة بعيدا عن الطابع الذي اتخذته المشكلة بين حزب "القوات اللبنانية" ورئيس مجلس إدارة "المؤسسة اللبنانية للإرسال- إل بي سي" مديرها العام بيار الضاهر. ويوضح هؤلاء أن جعجع كانت له مصلحة في رفع الدعوى على الضاهر خلال تولي البروفسور ابرهيم نجار وزارة العدل ممثلاً "القوات" في الحكومة.

 أما حزب الكتائب فيفضل حلاً أسرع من خلال إتصالات وعلاقات وتسويات على رغم أنه أعد كل الملفات لرفع دعوى قضائية إذا لزم الأمر . وفي أي حال سيكون ثنائي "وردة" - الخازن الإبن ومن معه مضطرين إلى إخلاء مبنى "صوت لبنان" في الأشرفية في أيلول / سبتمبر المقبل لانتهاء عقد الإيجار بين الحزب مالك المبنى الذي يضم 11 طبقة وبين "الشركة العصرية" التي تستثمر "صوت لبنان" التي تشغل 5 طبقات منها، وثمة من يشير إلى أن الشركة المذكورة تعد استديوهات جديدة لتنتقل إليها "صوت لبنان" في منطقة الضبية بعد انتهاء مدة الإيجار. وإذا صح ذلك فستندلع مواجهة علنية قد تنتقل إلى الموجات الأثيرية .

ويتكشف في المعلومات ان حزب الكتائب أنشأ شركة إعلامية سماها " الشركة الجديدة للإعلام" رئيسها ( الوزير حالياً) سليم الصايغ ومديرها العام سجعان القزي، وقد نالت هذه الشركة ترخيصا بإذاعة من الفئة الأولى أي إذاعة جديدة .

 وإن ثمة نزاعا على اسم الإذاعة الذي تقدر قيمته بعشرات ملايين الدولارات لم تتبلور وجهته بعد ، إذ تقول مصادر قيادة الكتائب إن الخازن استخدم اسم الإذاعة والحق في البث منها بموجب إيجار أو عقد استثمار، وعدل لاحقا في اسم شركته فأصبح "الشركة العصرية للإعلام- إذاعة صوت لبنان" خلافا للقانون، وإن من الطبيعي عندما يطلق الحزب إذاعته أن تكون "إذاعة صوت لبنان".

لا يتداول أحد هذه المعلومات، ولكن لا بد أن تخرج إلى العلن، وقد تكون وفاة سيمون الخازن فتحت الباب على حل ما يحفظ ماء الوجه للجميع، على رغم أن أجواء "وردة " تفيد أنها ذاهبة إلى مواجهة قاسية مع الحزب التاريخي الذي احتفظ بالإذاعة سلاحاً لأيام الشدة  ، في علبة وضعها جوزف أبو خليل، الكاتب والمفكر السياسي ورئيس تحرير جريدة "العمل"، في تخيتة منزله بعد "ثورة" 1958 لتعاود البث ذات يوم من الحرب الداخلية القاسية في 1975 بعبارة "هنا صوت لبنان، صوت الحرية والكرامة"، مفتتحة عهد الإذاعات الخاصة في لبنان قبل أن تظهر التلفزيونات الخاصة بدءاً من عام 1985 مع "إل بي سي" فتنطوي مرحلة الراديو الذهبية.


Reference: Tayyar.Org