النسبية تابع...لا مشكلة في دكتاتورية الأحزاب على العائلات

 

ديانا سكيني

يــقــارب الــبــاحــث كرم كــرم التوافق السياسي داخــــل مــجــلــس الـــــوزراﺀ على تبني مشروع قانون إنتخاب يعتمد التمثيل الـــنـــســـبـــي، مــــن زاويـــــة الإصلاح الذي يؤسس في مرحلته الأولى لمداميك التغيير الــمــرتــجــى في السوسيولوجيا السياسية اللبنانية فــي المراحل المقبلة الــتــي ستشهد محطات إنتخابية وفق قانون ستكون النسبية آليته الحتمية، على ألا تــلــحــق بــتــطــبــيــقــهــا في محطتها الأولى تشوهات تــصــبــح قــاعــدة وتــكــرس أعرافاً. 

يعود الباحث كرم كرم بالذاكرة الى العام ١٩٩٧ حين كان عضوا نــاشــطــا فــي حملة "بــلــدي بلدتي بــلــديــتــي" الــتــي كــتــبــت فــي أحــد شعاراتها "الانتخابات ما انعملت لــكــل واحــــد يــنــتــخــب ابـــن عــمــو".

يومها، في ليالي كانون الباردة، كان الشباب اللبناني المنضوي في الحملة يعتصم امام مجلس النواب على ابـــواب الانــتــخــابــات البلدية مشعلا جذوة احلام اصلاح بنيوي مرتجى.

كان كرم ورفاقه يعون ان "البلدية ليست ارضا لعائلة" وان التغيير لن يــكــون الا بتغيير الــقــانــون كونه مقدمة لتغيير السلوك الانتخابي الذي لن يتم بسحر ساحر بفعل ما هو نتاج تراكم تجربة وممارسة".

حــيــن يــقــارن الــدكــتــور الــذي حملت اطروحته الباريسية مقاربات إصــلاحــيــة لــلــواقــع الــلــبــنــانــي بين مشهدي الأمس واليوم، يستنتج أننا "انجزنا خطوات متقدمة" غير ان أسفه ينبع مــن واقــع "حصول الاصلاح" بالصبيج "بحيث لا يوجد تــيــار اصـــلاحـــي يــتــمــتــع بــرافــعــة سياسية، هكذا بتنا ننتهز اللحظة السياسية لـ" سرقة الاصلاح".

يرى كرم أن "الإصلاح المجتزأ غير المتأتي من واقع فعلي يأخذ فــي الإعــتــبــار الــتــجــربــة اللبنانية والأوضاع الإجتماعية والإقتصادية، يـــقـــوم بـــضـــرب مــنــطــق الاصــــلاح الفعلي". يــضــرب المثال التالي للدلالة على ما يذهب اليه (مثال افــتــراضــي) "حين يطرح إنتخاب رئيس البلدية ونائبه من الشعب دون وضع ضوابط تنم عن تصور لدور هذا الرئيس وعلاقته بالسلطة المحلية وكــيــفــيــة ادارة الحكم والتعاطي مع المسألة التنموية، حــيــنــهــا تـــكـــون فـــكـــرة انــتــخــابــه مــن الشعب مــجــتــزأة فــي إطــارهــا الاصــلاحــي لأن بــاعــطــائــه شرعية شعبية دون ضوابط للممارسة يتم التأسيس لتشوهات تصبح القاعدة.

تشوهات مماثلة لتلك التي لحقت باصلاح اتفاق الطائف وللممارسات التي اصبحت اعرافا مع الوقت".

يعتبر الباحث كرم أن النسبية هي إحدى الآليات العلمية الفعالة للتخلص من الطائفية والعشائرية، وان لم تعط النتائج المرتجاة منها في هذه الانتخابات فقد تعطيها فــي مــحــطــات انــتــخــابــيــة قــادمــة، ذلــك أنها تمنح اولية للتكتلات السياسية وتؤمن دوراً أفعل للقوى التي تحمل مشاريع سياسية على المستوى الوطني.

لا يرى كرم مشكلة في القول بأن تطبيق النسبية على البلديات الــصــغــيــرة تــفــرض ديــكــتــاتــوريــة الأحـــزاب أو الــزعــامــات السياسية على الــعــائــلات "فحتى لــو تحكم ١٤ زعيماً ببلديات لبنان ستبقى النسبية ممراً إجبارياً يمتّن دور الأحزاب مع الوقت". يُسأل: لكننا نرى في واقعنا أن الأحزاب تستعين با لعا ئلا ت بشكل كبير كر ا فعة إنتخابية؟ يُجيب: الأمر يعود الى لمصلحة طروحات الحزب نفسه لن تناسبه تراتبية الاسماﺀ في اللائحة وربما يغادر هذا الحزب".

يقللُ كرم من أهمية ما يثارُ حول الخشية من هيمنة فريق مذهبي على آخــر على مستوى البلديات المختلطة طائفياً. وبناﺀ على عدم مصلحة وعــــدم مــجــاهــرة اي من الأحزاب الكبرى بالرغبة بتهميش مذهب ما في المجالس البلدية، ترخي النسبية بمسؤولية تمثيل كافة المذاهب على القوة السياسية الفاعلة في البلدة او المدينة حيث سيكون الحزب الذي يغيّب الاقليات عن لائحته محط مساﺀلة.

ولا تكرّس النسبية نظام الرعاية الــســائــد بــقــدر مـــا تــكــرس نــظــام الأحزاب، ولو اتصفت المرحلة الأولى من تطبيق النسبية ببعض المناحي المصطنعة كالوضعية التراتبية للأسماﺀ المراعية للمعطى الطائفي التمثيلي.

في الشق الطائفي أيضا، لا يفهم كرم المنطق الذي سيجعل من قوة سياسية ذات لون طائفي طاغ تقدم على الترشح بثلاث لوائح للهيمنة على اكثرية المقاعد البلدية فاضحة سلوكها المذهبي أمام الرأي العام وخصومها السياسيين.

يــشــدد الــبــاحــث على "حقيقة" أن مقولة التعددية ليست حكراً على المنحى الطائفي، فثمة بلدات سكانها متنوعون سياسيا بشكل حاد، وهنا النسبية ستكون منصفة لهم.

أمــا من يهاجم النسبية على أنها أداة تعطيلية للمجلس البلدي وعامل فرقة يضرب مفهوم العمل الجماعي المنتج فــمــردود عليه بأمثال عملية من الواقع تشير بالاصبع الــى عــشــرات البلديات وغالبيتها من لون طائفي واحد او مختلط تدب فيها الخلافات بين الفريق البلدي الواحد مؤدية الى شلل وتعطيل، تمت محاولة النفاذ منه في احيان كثيرة عبر فتوى مداورة الثلاث سنوات بين رئيس وآخر في طريق البحث عن مخارج مصطنعة لوضع حد للخلافات.

واذا كان واقع الخلاف الداخلي في المجالس البلدية الذي يخلفه النظام الأكــثــري يــرد على مقولة التجانس المفقود الــذي تنتجه النسبية في البلديات، فان الخلاصة تشي بحتمية ا لعمل ا لجما عي داخــل الاحـــزاب وداخــل البلديات.

حتمية تــتــرائ كالتحدي الأبــرز الــذي سيصوب الــرؤيــة مع الوقت على المشروع وليس على الشخص او الطائفة.

وبناﺀ عليه، فان الإعتراف بالحق الـــذي كفله الــدســتــور اللبناني لــكــل مــواطــن لبناني بممارسة السياسة ومنحه حق الترشح لا يلغي حقيقة أن التنمية المحلية هي عمل سياسي بامتياز، وهي مــن واجــبــات عمل الاحـــزاب التي ما زالت متخلفة، بدائية التصور والتفكير، ما حتم عليها الاستعانة بالمستقلين الــذيــن لا يملكون مشاريع سياسية.

كــمــا أن الــــخــــروج مـــن واقـــع المرشح المستقل النافذ أو إبن الــعــائــلــة "يُــجــبــرُ الأحــــزاب على التفكير كأحزاب وليس كممثلين لــطــوائــفــهــم ويــجــبــرهــم عــلــى المأسسة وحمل البرامج".

ويربط كــرم بين فكرة العمل الفردي وبين الانانية التي تطبع الاجــتــمــاع الــســيــاســي اللبناني، وليس بينها وبين الفردية بما هي تنم عن فلسفلة التطور الحضاري المؤشرة الــى واقــع الانعتاق من الطائفة والعشيرة.

يؤيد كرم الكوتا بما هي تمييز ايجابي، مطالبا باقرارها بنسبة ٣٠ بالمئة، ذلــك "ان انتظارنا لــو عــي ا لمجتمع سيجعلنا في رحلة انتظار لعقود ترسخ دوراننا في الحلقة المفرغة". أما من يقول أن هذه البلدة ليس فيها نساﺀ قـــادرات على التعاطي بالشأن العام فيقابل بحدة الإجابة التالية "النساﺀ أكثر من نصف المجتمع، واذا كنا نتحدث عن صحة التمثيل فحريٌ بنا أن نمثل المهمشين والهامشيين". ويخلص الــى ان" الكوتا ستخلق دينامية اصلاحية اجتماعية".

لا يــذهــب كـــرم الـــى إنــتــقــاد احتساب التمثيل بدﺀا من نسبة ١٠ ٪ فهناك بلدان تنطلق من نسبة احتساب تبلغ ٥ ٪. يقول ان الحكومات عـــادة لا تخفض هذا الرقم عن عبث بل عن بعد نــظــر يــصــيــب هــدفــا ســيــاســيــا مباشرا. وفي مثل إفتراضي، "إذا تيقّن اليمين واليسار الفرنسي مــن أن لوبين (مــرشــح متطرف) يتمتع بقوة تقدر بستة بالمئة يقومان برفع نسبة بدﺀ الاحتساب التمثيلي للوائح الى ٪١٠".

أما نسبة الـ+ ٥٠ ١ التي تتحدث عنها الصيغة المتداولة للنسبية الــمــتــوافــق عليها سياسيا في مجلس، الــوزراﺀ فهي بحاجة الى "تقييم دقيق"، وفق كرم، الذي يقول "قــد يكون مــن المنطقي أن تمنح نصف المقاعد زائــد واحـــد للائحة تحصل على ٤٧ ٪ من الاصــوات، اما ان تمنحها لتلك الحاصلة على ٣٥ او ادني، فــفــي الامــــر مــبــالــغــة تستدعي اعــادة النظر".

. والجميع بانتظار خروج آلية الوزير زياد بارود الى العلن..