"إل مايسترو".. للتملّق حدود

عندما تشاهد برنامج "إل مايسترو" عليك ان تحبس انفاسك وتقبض على نبضات قلبك وعضلات معدتك. فانت امام اسم كبير لمضمون عادي ومقدّم أتقن فن الاطراء بدرجة تفوق سعيه المبالغ به لاستعراض لغته العربية مع تطعيمها بانكليزية مزايدا بافتعال واضح على العرب والاميركيين مع غنة وشد ومد باللغتين لا يضاهيه بهما أكبر النواحين.

نيشان لا يمكن ان يدانيه انسان على وجه الارض بفن التملّق بلا حدود، يزرع في ضيفه صفات لا يربطها بالواقع الا تنميق لغوي وغزل على منوال تبييض الوجه الذي انكسر معه مرات واحيانا في حلقة واحدة.

 وحسنا فعل نيشان حين قرر الإعلان عن ضيفه قبل يوم من الحلقة، فلولا ذلك لما استطعت ان تعرف ضيفه من خلال مقدمته، بل لشككت ان كان الضيف نانسي عجرم او سعيد عقل وردة او وئام وهاب البرت اينشتاين او هيفاء وهبي، لا فرق فالعبقرية والذكاء والجمال والاخلاق والصوت والحنجرة وصولا الى القلب والكبد والكلى كلها تخضع لمسح اشعاعي تفخيمي في ماكينة نيشان للنفخ المتواصل على مدار الحلقة.

اما الاسئلة فحدّث ولا حرج استفاضة مفرطة ولغو ثقيل وحشو لا ينضب، فسؤال فنان عن جمهوره يستدعي استعراض اسماء 23 دولة عربية ومجموعة من دول الانتشار وصولا الى افتراض وجود كواكب اخرى تحمل امكانية حياة ما لجمهور الضيف حصرا.

يقبض نيشان يديه ويبسطهما بوجه الجمهور بطريقة توحي بالسيطرة، كما يظن، لكنها في الحقيقة افتعال سمج يشبه عضه على شفتيه للتاكيد والتأثّر المصطنعين، من دون ان ينسى ان يوجه الشكر للضيف واهله ومدينته ومصمم ملابسه وسائقه، اضافة الى ابن عم صاحب محل البقالة الموجود في حارة خال الضيف، تحيات بالجملة والمفرق جاهرة وتحت الطلب كلها عطرة ومبللة بالريق السائل.

وعندما يسمي ضيفه يسبق اسمه بألقاب تظن معها ان عصر الاقطاع والباكوية اطل بقرنيه من جديد، او ان نيشان يظن ان اذان المشاهد اصبحت اطول من اي قرن مفترض او متخيّل. فالمايسترو والمايسترا والسعادة والمعالي والحضرة والعظمة وتحضر احيانا العطوفة والباشوية مع صرير اسنان ومضغ شفاه ومد لسان، يشعر معه المشاهد بان في الإمعاء أزمة عسيرة، أو أن في القلب غصة...

وبالنسبة للاسئلة المحرجة فيا للقساوة واليكم مثلا: هل تعرف بوجود فقر؟ هل تكره الفقر؟ هل ولدت بهذا الجمال ام كنت اجمل وتزدادين جمالا؟ هل الغنى مهم لك؟ اسئلة وجدانية عميقة واخرى استقصائية موثقة يصعب سبر اغوارها، ولعل ابرز الاسئلة المهمة والعميقة والمحرجة بواقعيتعا سؤاله هيفاء وهبي عن تلاوتها لآية الكرسي بعد أن أهداها القرآن الكريم لتأكيد "طوبويتها" المكرسة في ذهن جمهورها. والسؤال الاخطر لها كان هل يذهب أفراد عائلتك إلى ضيعتك؟ وهنا كان يجب ان تعلو الموسيقى وتحبس الانفاس حتى تسمع ضربات القلوب... يا للهول سؤال أحدث فتحًا في عالم الصحافة والتحقيق البوليسي في آن معا. طبعا لم يغفل نيشان البعد السياسي في فكر هيفاء وهبي وقراراتها الاستراتيجية النابعة من أبعاد وطنية.

الى ذلك يستطيع نيشان ان يحاور وئام وهاب لعشر دقائق عن فكره وفنه في الاخلاقيات السياسية، وان يسأل جبران باسيل عن النجاح الشخصي المعتمد على العصامية، ويسأل نايلة تويني عن سنوات الفقر التي عاشها جد والدها واثرها في نفسيتها بعدما اخبرته عنها وتأثر بقوة لهذا المصاب، ولا يرضى من هيفاء بموال واحد ويطلب المزيد لوردة ولأحلام ونجوى كرم، ليظهر قوة الخامة والقدرات الصوتية الخارقة للطبيعة لهيفاء وهبي وذلك بعدما رسم على وجهه علامات السلطنة لموالها الاول في رائعتها الخالدة "ما اخدتش بالي يا ولا".. التي سبقت "الواوا" الذي جاء في الذروة الفنية وزمن النضج.

إنه الحس المرهف الذي يرى بالنجم إلهًا فيريد ان يتقرّب منه ليبدو وكأنه يتضرع بين يديه او يستعطيه ليظفر منه بإطراء أو حتى مجرّد رضى أو قبول أو وعد بحلقة جديدة يمارس فيها نيشان تملّق من عيار أعلى إذا توفّرت الإمكانية لذلك اصلا.

كل اسئلة المقدم الحصيف ترتبط او تؤسس على الغنى والفقر، فالموت الحب الجمال كلها تتمحور حول نسبتها للغني والفقير وكأن البرنامج محكوم بعقدة طفولية حول المال معطوفة على أخرى أوديبية لم تحل حتى الان.

ما الذي يدفع مقدم برامج الى هذا الدرك الغائر؟ انها فلسفة تبنى على مقايضة واضحة: تبييض وجه عالي الجودة من نيشان يقابله وينتج منه تبييض لتاريخ الضيف، كل ذلك من دون طرح سؤال حساس واحد مما يدور في ذهن الجمهور، و من دون ان يمر على معلومة واحدة غير مضيئة في تاريخ الضيف ولو تلك التي يعرفها الناس جميعا.

المقدّم يعرض في برنامجه صورة لضيفه لا تتصل بالواقع ولا بما يريد ان يعرفه الناس عنه ولا بالصحافة ولا من يحزنون، انها حفلة زجل مملة من دون وزن او معنى، ترداد لمديح وتبخير يمارسه نيشان ببراعة... وعند الحاجة يسند ضيفه بعض الاسماء والمواقف والقصص التي تكمل حلقة التبخير بتملّق تكاد معه تنطفىء فقرة النار بلعاب نيشان قبل ان يملا به بركة فقرة الماء ويستحيل بعدها التراب طينا لتكتمل عناصر الاسطورة فيخرج من الطين حلقة تزيد في الطين بلة

 

Roula Rizk - Now Lebanon