الأزمة المالية انتهت والسيارة البيئية أواخر السنة

قطب صناعة السيارات كارلوس غصن لـ"النهار": الأزمة المالية انتهت والسيارة البيئية أواخر السنة

 

كتبت مي عبود ابي عقل:

في عالم المال والاقتصاد والاعمال في العالم يعد من بين الاوائل. لكن هذا لا يمنعه من الاحساس بـ"شعور رائع وفرح كبير" عندما يدخل الى اي فرن لشراء منقوشة ويقول له احدهم "نحن نفتخر بك"، وعندما يسمع هذه العبارة من اي شخص يعتبر انه "نال مكافأته وان هذا اسعد ايام حياته". بهذه البساطة والعفوية يتحدث كارلوس غصن.
 
يحمل ثلاث جنسيات: اللبنانية والفرنسية والبرازيلية، ويتقن اربع لغات هي العربية والفرنسية والانكليزية والبرتغالية، وتعلم حديثا اليابانية بعد ترؤسه شركة "نيسان" للسيارات ولكن بالطبع لديه مترجمه الخاص. من مواليد عام 1954، تلميذ مدرسة الجمهور، خريج الهندسة من Ecole Polytechnique وتخصص في الهندسة الصناعية في Ecole des Mines de Paris.
متزوج وله ثلاث بنات يتابعن دروسهن في الولايات المتحدة وصبي لا يزال في المرحلة الثانوية ويسكن مع العائلة في باريس. بدأ حياته المهنية كمهندس لكنه خاض عمليا عالم الاعمال وتعلم من خبرته الشخصية. اكتسب شهرة عالمية وتحول قطبا في عالم صناعة السيارات عام 1999 عندما وضع خطة لانقاذ شركة "نيسان" اليابانية للسيارات من الافلاس ونجح قبل عام من انتهاء المهلة التي حددت له. في تلك السنة حصل الدمج بين شركتي "رينو" الفرنسية و"نيسان" اليابانية وأصبح غصن رئيس مجلس الادارة والمدير العام التنفيذي لكليهما في مهمة فريدة في نوعها. وهو يملك حاليا 250 ألف سهم من اصل 280 مليونا في "رينو"، و3 ملايين سهم من اصل 4,5 مليارات في "نيسان"، ويعد من اكبر المساهمين والمستثمرين الافراد في كليهما، وسيفتتح في الايام المقبلة معملا جديدا في الهند.
انه كتلة من الحركة والنشاط. ذكاء متوقد يشع من عينيه. وثقة كبيرة بالنفس تطبع حديثه. يداه لا تهدأان، وجلسته تتغير كل بضع دقائق. يحب الصحافيين ويحب ان يجرب السيارات الجديدة معهم لاعطائهم المعلومات عنها وعن محركاتها وتطويرها. ويروي احد الشباب انه عندما تقدم الى وظيفة في شركة يابانية وكتب في السيرة الذاتية انه تلميذ مدرسة الجمهور، قبل على الفور لان المدير الياباني المسؤول انتبه الى انه من المدرسة ذاتها التي تخرج فيها كارلوس غصن.


ازمتان عالميتان

في لقاء خاص مع "النهار" اراده بعيدا من السياسة تحدث غصن عن تجربته وتحليله للازمة الاقتصادية وتأثيرها على صناعة السيارات؟ هل تجاوزتها هذه الاخيرة؟ يقول: "بين سنة 2008 واوائل 2009 مر العالم بأزمتين مالية واقتصادية. الفترة التي بدأت مع انهيار مصرف "ليمان براذرز" في تشرين الاول 2008 حتى حزيران 2009 كانت المرحلة السوداء، وبدأت الازمة المالية عندما افلس هذا المصرف وتوقفت بقية المصارف عن التسليف، وصارت حذرة بعضها حيال بعض، في اقراض الاموال وكذلك صارت حال الشركات، وتوقفت التسليفات وجمدت السيولة. هذا الامر ضرب صناعة السيارات لاننا مستثمرون كبار واصحاب عمل ولدينا رؤوس اموال كبيرة والسيولة النقدية مهمة جدا بالنسبة الينا وعندما تتوقف تتعرقل اعمال الشركة مهما كانت كبيرة. وفوق ذلك جاء الركود الاقتصادي، اضافة الى العامل النفسي نتيجة الازمة اذ صار الناس يعتبرون ان الوقت غير ملائم لتغيير سياراتهم. كل هذه العوامل تجمعت واثرت علينا فتضررنا كثيرا.
انهيار السوق والازمة المالية جعلا الدول والحكومات تتدخل: اعطت فرنسا لـ"رينو" قروضا بـ 3 بلايين اورو و"بيجو" 3 مليارات، وكذلك مدت اليابان السوق بالسيولة، ولم يكتف الاميركيون بعد بمد الشركات المنهارة بالسيولة بل دخلوا ايضا كمساهمين فيها، وكذلك تدخل الالمان ليمنعوا انهيار صناعة السيارات.
الازمة المالية اليوم انتهت. السيولة اصبحت طبيعية، وعادت الفوائد طبيعية ايضا.
اما الازمة الاقتصادية فلا تزال موجودة ولكنها تتحسن. واتوقع ان يكون عام 2010 افضل قليلا من 2009، لكن الوضع يختلف بحسب المنطقة اي ان اوروبا صعبة، الولايات المتحدة ستتحسن، الصين جيدة، والشرق الاوسط جيد جدا. لا اعتقد ان اي انطلاقة اقتصادية ستحصل في 2010. ربما في 2011 او 2012.
قبل الازمة الاقتصادية الاخيرة كانت سوق الشرق الاوسط من اكثر الاسواق نموا وكانت الزيادة بنسبة 20% سنويا، وكانت سنة 2008 سنة العز بالنسبة الى شركة "نيسان" وهذا على ما يبدو شكل السبب الرئيس لاختيار ابو ظبي لاطلاق سيارة "باترول" عالميا". ويؤكد غصن في هذا الاطار ان "نيسان" هي الماركة الثانية الاوسع انتشارا في الشرق الاوسط بعد "تويوتا". انها الرقم واحد في لبنان والرقم 2 في بلدان الخليج والشرق الاوسط، لذلك هي سوق مهمة جدا بالنسبة الينا. كذلك تبيع "رينو" جيدا في لبنان ونحاول تطويرها في الخليج.
وعن النسبة التي تشكلها مبيعات الشرق الاوسط يقول غصن: "بالنسبة الى "رينو" السوق صغيرة لان الاوروبيين لا يزالون يشقون طريقهم في هذه المنطقة، بينما نيسان ستبيع هذه السنة 3,500,000 سيارة، وتشكل نحو 5% من السوق العالمية".


الين والبترول

وسألناه الى اي مدى يؤثر ارتفاع سعر الين على المبيعات؟ فأجاب: "يؤثر كثيرا. على مدى الثلاثين السنة الاخيرة كان معدل سعر الين 112 على الدولار. في الازمة الاقتصادية انخفض الى 91، واليابان بلد مصدّر. بعد تضررنا من الازمتين المالية والاقتصادية وبعدها الركود جاءتنا قوة الين. وهذا ما ادى الى اختناق الشركات اليابانية، مع اننا لا نزال في حال جيدة. عام 2009 كان صعبا جدا ورغم ذلك ستكون "نيسان" رابحة ربما اقل بكثير من السابق ولكنها رابحة. نحن الان، لا نطلب اضعاف الين، ولكن نضغط على الحكومة اليابانية لكي لا تقوي عملتها في الازمة. الان يعطون تسهيلات في القروض ويخفضون الفوائد ما يؤدي الى اضعاف العملة ووصلنا الى 90. ارتفاع سعر الين اثر طبعا على مبيعات الشركات اليابانية، والمستفيد هو الشركات الكورية، لان الوون الكوري انخفض والين ارتفع وصار الكوريون يحتلون مراكز اليابانيين. لا اعتقد ان هذا الامر سيستمر".
وماذا عن المواد الخام التي تستعمل في تصنيع السيارات وكيف ينعكس ارتفاع اسعارها؟
يلفت غصن الى انه عام 2009 "انخفضت كثيرا وتعود الآن الى الارتفاع. هذا امر طبيعي. النفط اليوم بـ80 دولاراً البرميل. اليوم نحن نصنع سيارات على الكهرباء ستنزل الى الاسواق اواخر العام الجاري. والكل يسألني ماذا لو انخفض سعر البترول؟ واجيب هل من المعقول ان يفكر شخص انه في ظل هذه الازمة الاقتصادية يبلغ سعر البرميل 80دولاراً، وعندما يعود الاقتصاد للنمو هل سيرخص سعر البترول؟ عام 2008 قبل الازمة وصل الى 150 دولاراً. لا احد يمكنه التكهن لكن احتمال ارتفاعه مرجح".
 

سيارات صديقة للبيئة

اين اصبحت سيارات "0 emission"؟ يؤكد غصن اننا نعمل على تصنيعها لسببين:
الاول احتمالات ارتفاع سعر النفط، والثاني الضرر البيئي الذي تسببه الانبعاثات وغاز الكربون والمطالبة بتخفيفها وهذا الامر يتحول الى ضغط سياسي وليس اقتصاديا فقط.
وستبدأ "نيسان" اطلاق هذه السيارات في السوق العالمية على نطاق واسع في الولايات المتحدة واليابان في تشرين الثاني وكانون الاول من العام الجاري. وفي العام 2011 ستطلق في اليابان واميركا واوروبا، وفي الوقت نفسه ستبدأ "رينو" في اوروبا. سترون السوق الاستهلاكية للسيارات الكهربائية في 2011. وقد بدأ التسويق: عندنا 4 طرازات سيارات "نيسان" على الكهرباء و4 من "رينو" وستنزل كلها الى الاسواق بين 2011 وو2012. انها سيارات على الكهرباء فقط ومن دون عوادم (echappement). لقد حضرت 500 الف سيارة في السنة، و500 ألف بطارية ننتجها نحن ايضا، ونحن الاوائل. وقد انفقنا 5 مليارات دولار على هذا المشروع، ونحن متفائلون جدا انه سيكون مشروعا مهما جدا. من يتبعنا؟ منافسونا يلتزمون الصمت ولكنهم بالطبع يحضرون وعرضوها في الصالات ومعارض السيارات لكن لم يدخل احد في مشروع مهم وسوق استهلاكية".
بين عامي 2004 و2009 تضاعف نمو الشركة 11 مرة في السوق اللبناني، فما هي اهميته؟
يجيب "انه مهم جدا بالنسبة الينا في "نيسان" لاننا ندعم جيدا البلد الذي نكون فيه رقم واحد. ونحن في لبنان الرقم واحد بفضل دينامية وكيلنا رسامني فهم محترفون ويقومون بعمل رائع ونحن مسرورون بالتعامل معهم. اضافة الى اننا حريصون ان يكون لدينا سيارات متينة ونوعية جيدة. ونحن نرغب ان نحافظ على الصدارة والمرتبة الاولى في العديد من البلدان، صحيح ان السوق اللبنانية ليست ضخمة نسبة الى بقية الاسواق ولكننا مهتمون به وندعمه لان فيه منافسة ولاننا في المرتبة الاولى. كذلك "رينو" تتحسن في لبنان حيث السوق صغيرة ولكن فيها منافسة".
والسؤال الذي يتبادر الى كل انسان: هل سترتفع اسعار السيارات؟
يطمئن غصن الى انه "في المدى القصير لا اعتقد ذلك لانه يوجد قدرة تفوق الاستيعاب ومضاربة قوية. لكن اذا ارتفعت اسعار المواد الاولية، واتوقع ان ترتفع في العام 2010، فسينعكس الامر تلقائيا ويؤثر على الاسعار.


صرف وتوظيف

صحيح ان غصن نجح في انقاذ شركة "نيسان" من الافلاس لكن البعض يلومه ان الثمن كان على حساب 20 ألف موظف وعامل صرفوا من العمل. لكنه يستدرك فورا: "قلت لهم منذ البداية عدد الموظفين سينخفض اولا ثم سيعود ليرتفع. اليوم يوجد في "نيسان" موظفون اكثر مما كانوا حين تسلمت. ولم نسترجع فقط الذين صرفوا، ليسوا هم انفسهم بالطبع، بل زدنا عليهم. من الاساس لم يكن الهدف خفض عدد الموظفين بل احياء الشركة وهذا ما حصل. كانت الشركة تخسر على مدى السنوات العشر وينخفض انتاجها ومبيعاتها، وفي عام واحد اجرينا العلاج الصدمة فاستعادت عافيتها وعادت لتوظيف عدد اكبر من العمال والموظفين".
وعن تملكه اسهما في الشركتين وما يعطيه هذا الامر من قوة وسلطة اجاب: "عندما بدأت العمل في نيسان لم اكن املك اسهما بل كانت لدي النية والقوة للعمل على انقاذ الشركة، ولكن عندما يبدأ الانسان العمل والانتاج ويحقق مداخيل للشركة ويرى النتائج من الطبيعي ان يحصل على مكافأة ويفرح ان قسما من الارباح التي تنتج تعود اليه ايضا والى فريقه وهذا يعطيه حافزا واندفاعا اكبر".
اخيرا كيف يخدم كارلوس غصن وطنه الام؟ يجيب: "هناك طرق عدة: اساعد المدرسة التي كنت فيها، والجامعة. فأنا عضو في مجلس امناء الجامعة الاميركية وفي اللجنة الاستراتيجية في الجامعة اليسوعية. احب ان انقل تجربتي الى الشباب واخصص لهم وقتا حيث اكون في العالم. الكل يسأل ويريد ان يعرف: كيف نكون مثلك او افضل منك؟ علمنا. ألتقيهم وألقي محاضرات في الجامعات وأروي لهم خبرتي وتجربتي"

 

Reference: Tayyar.Org