عقود سوكلين

في 17 كانون الثاني 2011 انتهت عقود مجموعة "Averda" (سوكلين وشقيقتها سوكومي) مع الدولة اللبنانية. بعد تمييع مشبوه للقضية وعدم القبول بتعديل جذري للأكلاف المفروضة، تمّ التجديد للمجموعة حتّى عام 2015. ما يُعدّ فصلاً جديداً من هدر الأموال العامّة.
إذ طيلة 17 عاماً استحصلت هذه المجموعة من السلطات اللبنانية على العقود ومدّدتها من دون أي نقاش أو مبرر. وتبين أنها خالفت موجبات العقود وكلّفت اللبنانيين أموالاً طائلة مرّت عبر قنوات لا يُمكن وصفها إلا بأنها فاسدة بامتياز.
بدأت الحكاية في عام 1994 حين وقّعت الشركة عقداً بالتراضي مع مجلس الانماء والإعمار لكنس وجمع النفايات ومعالجتها وطمرها، ضمن بیروت و225 بلدة وقریة في محافظة جبل لبنان.
ينصّ العقد على أن الشقيقتين المملوكتين بصورة أساسية من رجل واحد، ميسرة سكّر، وهما «سوكلين» و«سوكومي»، تقومان بالمهمات المذكورة، مقابل أن تؤمّن الدولة اللبنانية الآليات والحاويات اللازمة. في البدء كانت قيمة العقد تبلغ 4 ملايين دولار سنوياً، إلا أنها ارتفعت بعد سنتين على نحو مفاجئ كالبورصة لتغلق على 102 مليون دولار اعتباراً من عام 1996. كما انتقل تمويلها من مجلس الإنماء والإعمار، التابع مباشرة إلى رئاسة مجلس الوزراء، إلى الصندوق البلدي المستقل.
في عام 2010 تبيّن أن قيمة عقود الكنس وجمع النفايات ارتفعت إلى 43.5 مليون دولار. وقد بلغت قيمة عقد تشغيل وصیانة مراكز معالجة النفایات المنزلیة الصلبة نحو 42.2 مليون دولار، فيما بلغت كلفة الفرز 26.34 دولاراً للطن الواحد، وكلفة الكبس 15.73 دولاراً للطن، وكلفة التغليف 12.9دولاراً، وكلفة التسبيخ 25.05 دولاراً. أما كلفة نقل المواد العضوية من مراكز الفرز إلى مراكز التسبيخ فبلغت 5.55 دولاراً للطن. وقد بلغت قيمة عقد الطمر الصحي لعام 2009 نحو 39.3 مليون دولار.
هذه الأكلاف لم تكن مرتفعة فقط، بل كانت أعلى بكثير مما تقوم به شركات أخرى في لبنان. فالدراسة التي وضعها مجلس الوزراء في 2010 تشير إلى أن كلفة جمع النفايات في صيدا وضواحيها تبلغ 24 دولاراً، فيما تبلغ كلفة الجمع في طرابلس 22 دولاراً وكلفة الطمر 29.3 دولارات. أما في زحلة فتبلغ كلفة الجمع 18 دولاراً وكلفة الطمر 22 دولاراً.
في المقابل كانت كلفة الجمع في العقد الموقع مع «سوكلين» تبلغ 26.65 دولاراً، وكلفة الطمر في بيروت وضواحيها 38 دولاراً، وكلفة الجمع في مناطق جبل لبنان تبلغ 34.55 دولاراً وكلفة الطمر هناك تبلغ 38 دولاراً.
لكن لتمديد العقود طيلة السنوات الـ17 قصّة أخرى. فقد لُزّمت سوكلين إدارة النفايات الصلبة في بيروت الكبرى قبل أن يوسّع نطاق عملها ليشمل معظم أقضية بعبدا، عاليه، الشوف، المتن، كسروان...
وكان مقرّراً أن ينتهي العقد في نهاية عام 2000، إلا أن ما جرى لاحقاً، تمّ برعاية السلطة السياسية فمُدّد للشركة على قاعدة الملحق رقم 5 من العقد والذي يضمن استمرارية عمل الشركة إلى حين اتخاذ قرار من وزير الداخلية والبلديات بإنهائه.
هكذا استمرّت سوكلين بعملها المعتاد وفق العقد الموقّع في عام 1994، مع فرق واحد متصل بزيادة قيمة العقد من 4 ملايين إلى 102 مليون دولار... إلى أن مُدّد في نهاية عام 2007 لفترة 3 سنوات تنتهي في نهاية 2010. بعد ذلك تذرَّعت الحكومة برأي مجلس الإنماء والاعمار، القاضي بصعوبة إجراء استدراج عروض عالمي لتلزيم جمع وكنس ومعالجة وطمر النفايات خلال فترة زمنیة قصیرة. عندها بحث مجلس الوزراء الأمر وقرّر إعادة التفاوض مع سوكلين لخفض أسعارها من أجل تمديد العقد، لكن ما حصل هو أنه تم التلاعب بقرار مجلس الوزراء وتمرير تمدید العقود لمدة أربع سنوات تنتھي في 17 كانون الثاني 2015، بعد خفض الأسعار بنسبة 4%.
الأغرب أن أكلاف عقود «سوكلين» و«سوكومي» سدّدت من أموال صندوق البلديات بقرارات إدارية من دون موافقة البلديات ومن دون إطلاعها على الحسابات. وتقدّر الأموال المدفوعة من الصندوق لهذه الشركات بنحو 1.3 مليار دولار بين عامي 1997 و2009، أي بمعدّل 108 ملايين دولار سنوياً، منها 597 مليون دولار للفترة حتى 2005، و703 ملايين دولار للفترة اللاحقة.
من أبرز الدلائل على الفساد المستشري في لبنان هي الشوائب المنتشرة في مضامين بنود العقد. فقد سمح العقد لشركة سوكلين أن تقوم بتقدير وزن النفايات المرفوعة، وبالتالي كانت هي تراقب أعمالها بنفسها! وهذا يعني أنها تلقت دعوة مفتوحة للتلاعب. لا بل كانت الشركة هي من يحدّد قيمة الفواتير التي ترفع الى الجهات المعنية، فيما استفادت من بيع بعض أنواع النفايات (البلاستيك الذي يباع بـ300 دولار للطن الواحد، الحديد وغيرها) لشركات تعيد تصنيعها أو تصديرها الى الخارج...
وبالإضافة إلى النقص في المعلومات عن كميات المواد المباعة والمعاد تصنيعها والمبالغ الذي تتقاضاها الشركة بداعي قيامها بهذا العمل، احتسب العقد على أساس احتساب الكمية (طن من النفايات) بدلاً من أن تكون على النسبة المئوية. ولم يأخذ العقد بالاعتبار أن الكلفة تنخفض كلما كان حجم العمل أكبر، فهي تتجاهل أن المنطقة الأكثر كثافة هي الأكثر إنتاجاً للنفايات.
… لا تنحصر شوائب العقد بهذه الملاحظات الجوهرية، لكن الأخطر هي الكلفة البيئية التي ترتبت على لبنان جراء هذا العقد، فبحسب الإحصاءات الرسمية، يُنتج لبنان سنوياً 1.5 مليون طنّ من النفايات الصلبة، منها 10% فقط يعاد تدويرها، فيما يرمى 40% منها في المكبّات ويتم التخلّص من نصفها في المطامر. وتمثّل المواد العضويّة 50% من النفايات الصلبة، ما يُظهر الإمكانات الكبيرة الموجودة لصناعة تحويل النفايات إلى أسمدة، وهذا ما تتغاضى عنه الشركة.
ومن المخالفات التي تبيّنت، أن العقد ينصّ على أن تقوم «سوكومي» بممعالجة 850 طن نفايات يومياً للإستفادة من تسميدها، غير أن الشركة تعالج 300 طنّ فقط، وتطمر 550 طناً من المواد العضوية في مكب الناعمة من دون الإستفادة منها... لهذه الاسباب تقدّر كلفة سوء إدارة النفايات في لبنان بنحو 15 مليون دولار سنوياً.
المال العام إذاً يُهدر من دون «رمشة عين». في عقود النفايات مع Averda تتكلّف الخزينة 155 دولار للتخلص من كل طن نفايات، وهي أعلى كلفة في العالم. فعلى سبيل المثال، تراوح كلفة الطن الواحد في كندا بين 58 دولار و75 دولار، وفي إيطاليا من 16 دولار إلى 78 دولار، وفي إيرلندا تبلغ 31 دولاراً، وفي سوريا 2.5 دولار.
تحتّم مكافحة الفساد أن يعاد النظر بالعقود على نحو سريع يحفظ الأموال العامّة ويضع المسؤولين عن هدر الأموال العامّة أمام المساءلة القانونية. فمن الممكن على سبيل المثال، أن يتم تحديد الفرز بنحو 600 طن يومياً، وإلغاء عمليات التسبيخ والكبس: فالأولى تكلف بين 133 دولار 60 دولاراً للطن الواحد، ما يخفض الكلفة السنوية من 125 مليون دولار إلى 60 مليون دولار. كما يجب تحديد سعر طن المواد التي تعالج وتباع لصناعة إعادة التدوير، أو طن السماد، او الطن المعدّ للطمر واحتسابها ضمن العقود.

http://fasad-book.com/ : full article