لبنان نموذجاً للعالم

كان أمس يوم لبنان في الولايات المتحدة الأميركيّة، ليس لبحث التطورات السياسيّة في لبنان أو للتحدث عمّا ستؤول إليه نتائج الإنتخابات النيابيّة أو للسعي للحصول على أسلحة للجيش اللبناني.
أمس كان يوم النموذج اللبناني المشرق الذي يجسّده رياض سلامة، هذه الشخصيّة الماليّة اللبنانيّة التي باتت محطّ تكريع عالمي بلغ أوجه مع اختياره لافتتاح المداولات في بورصة نيويورك.
فماذا يشكّل هذا النموذج وفق حاكم مصرف لبنان؟
يقول سلامة: اندلعت الأزمة المالية العالمية بسبب عمليات خفض الاستدانة التي باتت ضرورية بعد تعثر أدوات القرض العقاري العالية المخاطر. والواقع أن هذا التعثر تسبب بخسائر كبيرة تكبدتها المصارف والمؤسسات المالية في كل أنحاء العالم. نتيجة لذلك، تراجعت الثقة بالنظام المالي فحملت المودعين على سحب أموالهم من المصارف وحملت المصارف بالتالي على رفض التعامل في ما بينها، مما أدى بدوره إلى تعليق القروض وهبوط في الطلب. أما صندوق النقد الدولي فيتوقع أن تشهد سنة 2009 ركوداً عالمياً.
والجدير بالذكر أن النموذج المالي اللبناني، كما تم تصميمه على مرّ السنين، لا يجيز أي تجاوزات في الاستدانة أو في اكتساب «مشتقات سامة». وبالتالي، سيبقى لبنان في منأى عن هذه الأزمة، طالما أن الأوضاع السياسية والأمنية فيه تتسم بالاستقرار.
يضيف: إن الاستقرار الذي نشهده ليس وليد الصدفة، بل ثمرة المثابرة والعمل الدؤوب بهدف بناء نموذج يوحي بالثقة.
وقد اختبرت الأسواق هذا النموذج عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري واغتيال أو محاولة اغتيال شخصيات لبنانية، وبعد التفجيرات ضد مراكز اقتصادية وحرب 2006 والأزمة الداخلية الحادة التي عاشها لبنان عامي 2007 و2008 والمصحوبة بحرب شوارع وأخيرا بعد الأزمة المالية التي عصفت بالعالم.
ويقوم هذا النموذج على ركائز عدة، منها:
1ـ رفض كل ما يتسبب بتعثر أو إفلاس المصارف، أو بتكبد مودع أو مراسل لأي خسائر في مصرف لبناني. وفي هذا السياق، توقف 33 مصرفاً عن العمل في السنوات الـ15 الأخيرة من دون تسجيل أي حادث شبيه بما لحق بـ«ليمان براذرز».
2ـ احترام توجهات السوق في شأن تحديد معدلات الفائدة ورفض مستمر لخفض هذه المعدلات لصالح أي جهة كالقطاع العام أو الخاص. وغني عن القول إن هذا الموقف منع المضاربة، لا سيما في مجالي العقارات والبورصة.
3ـ الضوابط التنظيمية التي شملت التسليف والاستثمار والتي ترمي إلى إبقاء سيولة وافرة في القطاع المصرفي وإلى الحدّ من التوظيفات في الأدوات المركبة بل منعها في القروض العقارية العالية المخاطر.
4ـ استقرار سعر صرف الليرة في مقابل الدولار، مما أوجد مركز ثقة وحدّ من التضخم.
5ـ المبادرة الهادفة إلى تسوية الديون المشكوك في تحصيلها، وذلك بإبرام اتفاقات بين المصرف والزبون المعني. وبموجب هذه الاتفاقات، تمكن الزبون من تسديد كامل دينه أو جزء منه عبر تقديم مساهمات بشكل عقارات أو أسهم ومن ثم جدولة الجزء المتبقي من الدين. والواقع أن هذه الاتفاقات قد غطت 10 في المئة من محفظة قروض المصارف وحالت دون تسجيل أي تراجع في ميزانياتها.
6ـ منع المصارف من إقراض أكثر من 70 في المئة من ودائعها، علماً أن المحافظة على سيولة بنسبة 30 في المئة وتطبيق معايير اتفاق بازل 2 بشكل صارم قد أسهما في تمتين الثقة.
ث ـ سيظل القطاع المالي اللبناني متيناً، شرط أن تحافظ الأوضاع السياسية والمالية على استقرارها.
وهناك فرصة لبناء اقتصاد حديث ودينامي كفيل بخلق فرص عمل جديدة وبتحسين القدرة الشرائية. إلا أن الأمر يتطلب سلسلة إصلاحات ووجود إرادة سياسية."

Ref:http://www.lebanonfiles.com/daynews.php?id=103