نص إستجواب النائب بطرس حرب لوزير الطاقة والمياه

"يعاني لبنان منذ زمن بعيد مشكلة الكهرباء والمياه التي تجاوزت حدود الأزمات العادية لتصبح هاجسا يوميا يقض مضاجع اللبنانيين، ويلقي على عاتقهم أعباء لا طاقة لهم على تحملها. لقد شكلت الكهرباء مصدر تضخم للدين العام بالنظر الى انعدام التصور العلمي للحلول، وبالنظر إلى كلفة الإنتاج العالية وسوء التوزيع والإدارة، والاعتداءات الكبيرة على شبكاتها وامتناع عدد لا يستهان به من المواطنين عن تسديد المستحقات المالية عليهم.
في مواجهة هذه الأزمة المتصاعدة، حاول الكثير من الوزراء الذين تولوا حقيبة الطاقة والمياه، تقديم الدراسات وطرح الحلول لهذه المشكلة، وكان آخرهم وزير الطاقة السابق الوزير محمد فنيش، الذي وضع خطة إصلاحية متكاملة لقطاع الكهرباء، بالتعاون مع المجلس الأعلى للخصخصة، واستنادا إلى دراسة لتحسين وضع الكهرباء أجرتها أهم الشركات الإستثمارية في العالم، والتي وافقت عليها الحكومة اللبنانية في حزيران عام 2006 واعتمدت في مؤتمر باريس 3 عام 2007 ووضعت قيد التنفيذ في شهر أيار 2008.
تعتمد هذه الخطة سياسة جديدة لقطاع الكهرباء، قائمة على إصلاح الإدارة والإنتاج والنقل والتوزيع، ووضع سياسة جديدة للتعرفة والدعم تأخذ البعد الإجتماعي في الاعتبار، بالإضافة إلى إعتماد إسترتيجية للمحروقات.فور تشكيل الحكومة الحالية، فاجأ وزير الطاقة والمياه الجديد الجميع بقرار وقف العمل في الخطة بحجة عدم جدواها، ولأنه يملك خطة بديلة قادرة على حل معضلة الكهرباء، فاستبدل الوزير الجديد خطةعالمية أقرتها الحكومة وتم اعتمادها في مؤتمر باريس 3 لإقرار المساعدات للبنان على أساسها، استبدلها "بفكرة" غير مدروسة، بحيث لم تحظ بموافقة أي هيئة أو مكتب إستشاري، وهي غير جدية، غير عملية وغير مجدية، وهو ما أدى إلى تجميد هذا القطاع وإلى تفاقم أزمة الكهرباء وانقطاع التيار عن اللبنانيين وزيادة شكوى المواطنين من الوضع المتردي والمتفاقم.هذا بالإضافة إلى السياسة التي اتبعها في إدارة الأزمة التي تميزت بسوء توزيع الطاقة، بحيث أدت إلى حرمان مناطق واسعة التيار الكهربائي دون مبرر أو سبب.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية لست في حاجة الى سرد الإخلال الكبير لوزير الطاقة والمياه في قطاع المياه، ووقف مشاريع السدود المائية، وهدر الثروة المائية دون الإستفادة منها، والإكتفاء بالصراخ والتقصير والكيدية، وتعطيل مصالح المواطنين، مع ما نتج من هذه السياسة من أضرار تطول اللبنانيين في حقوقهم وصحتهم. وسأكتفي بسرد إحدى مآثر هذا الوزير، وهي الآتية:
بالنظر الى تدني نسبة كمية مياه الشفة التي يشرب منها أهالي تنورين الفوقا ووطى حوب وشاتين وبلعا واللقلوق وفحتا والحريصا ونبع الجديد وراس بنيا وغيرها من قرى بلدة تنورين، والذين يبلغ عددهم الآلاف، قمنا بمسعى مع وزارة الطاقة والمياه لتأمين مصدر جديد للمياه الصالحة للشرب.بعد فشل محاولات عدة قامت بها الوزارة لإيجاد مصدر جديد للمياه في جرود تنورين، وبعدما تحولت قضية مياه الشفة في تنورين إلى مشكلة حقيقية بسبب انقطاعها، عرضت بلدية تنورين، التي تملك بئرا خاصة صالحة للشرب وقادرة على ضخ نحو 400 متر مكعب من المياه، أن تضع هذه البئر بتصرف مؤسسة مياه لبنان الشمالي لمدة زمنية محددة، ودون بدل، في انتظار إيجاد مصدر مياه جديد، وعلى أن يصار إلى إبدال شبكة مياه الشفة المهترئة والملوثة في بلدة تنورين بشبكة جديدة تمنع تسرب المياه وتلوثها.
تم تخصيص اعتماد لاستبدال الشبكة المهترئة، ووافق وزير الطاقة والمياه آنذاك (الوزير محمد الصفدي) على طلب مؤسسة مياه لبنان الشمالي، الرامي إلى إجراء عقد سريع بالتراضي معها، بالنظر إلى الضرر اللاحق بالمواطنين، لتنفيذ أشغال تجهيز البئر. وقد جرت محادثات بين المؤسسة وبلدية تنورين، تم التوافق بنتيجتها على وضع البئر بتصرف المؤسسة دون بدل لمدة عشر سنوات، في انتظار إيجاد حل نهائي ودائم للمشكلة من خلال توفير مصدر جديد للمياه.إلا أنه بعد تشكيل الحكومة الحالية وتولي الوزير الجديد لصلاحياته، وبدلا من تنفيذ المشروع، فوجئنا بالمؤسسة، وبعد زيارة الوزير للمنطقة في 1/8/2008، تبدل في موقفها وتطالب البلدية بالتنازل النهائي عن ملكيتها الخاصة للبئر وتسليمها البئر دون أي شروط. هذا بالرغم من أن الوزارة كانت قد أبلغت البلدية موافقتها على استثمار البئر لمدة عشرة سنوات، وبالرغم من المراجعات المتكررة للمسؤولين والأهالي أصرت الوزارة على موقفها.المستغرب في الأمر أن مؤسسة مياه لبنان الشمالي، وبطلب من الوزير، أوقفت هذا المشروع، كما أوقفت مشروع إبدال شبكة مياه الشفة المهترئة بشبكة جديدة رغم "الحاجة المستعجلة والملحة لتأمين مياه الشفة للمواطنين في البلدة بشكل مقبول" كما جاء في قرار مجلس إدارة مؤسسة مياه لبنان الشمالي رقم 2 والصادر في 7/8/2008.
وبالنظر الى تعنت الوزير الكريم وتمسكه غير المبرر بوقف المشروع، راجعنا فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء لكي يتدخلا مع الوزير المختص للافراج عن الإعتمادات المخصصة لتبديل الشبكة المهترئة ووقف تلوث المياه بسبب تداخل مجاري الصرف الصحي مع مياه الشفة، والعودة إلى الإتفاق الذي كان تم الإتفاق حوله مع البلدية. وبالرغم من تدخل فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء، بقي الوزير "العظيم" على موقفه.إلا أنه بعدما أثرت الموضوع خلال جلسة المناقشة العامة في مجلس النواب، طلب الوزير إلى مؤسسة مياه لبنان الشمالي إيجاد حل للموضوع، وبالفعل وجدت لجنة الخبراء المكلفة مصدرا جديدا للمياه يسهل استخراجه وبكلفة زهيدة جدا ووضعت في تاريخ 5/3/2009 تقريرا، رفعته إلى الوزير، تبلغه فيه بالأمر وتفيده أن كلفة استخراج المياه من المصدر الجديد لا تتجاوز 191 مليون ليرة لبنانية، في الوقت الذي كانت تبلغ كلفة تجهيز بئر البلدية 202 مليوني ليرة.وبدلا من أن يعمد الوزير المختص إلى إعطاء توجيهاته لتنفيذ المشروع، وإمعانا منه في الكيدية وانعدام المسؤولية، أصدر بيانا يعلن فيه أن تجهيز بئر أخرى، غير بئر البلدية، يستلزم كلفة عالية جدا تبلغ 378 مليون ليرة لبنانية! وان تجهيز بئر البلدية وتأهيلها يتطلب 131 مليون ليرة لبنانية فقط، وان مؤسسة مياه لبنان الشمالي تقترح "حفر وتجهيز بئر في موقع جديد" كلفته 200 مليون ليرة، أي بزيادة 80 مليونا إضافية عن "كلفة تجهيز بئر البلدية - كذا حرفيا -.وهذا ما يشكل تزويرا فاضحا وتحريفا للحقيقة، وهو ما لا يمكن السكوت عنه، لأنه صادر عن وزير يتولى إدارة قطاعين من أخطر وأهم القطاعات العامة في لبنان.ولما كان المراقبون السياسيون الفنيون مجمعين على أن وزير الطاقة والمياه يمارس سياسة تعطيل عمل الدولة ويلحق الضرر باللبنانيين،
ولما كان استمراره في تسلم مسؤولية إدارة المصالح العامة، يشكل خطرا على المواطنين وصحتهم، وإعتداء على حقهم، كمكلفين، في التمتع بخدمات الدولة، ويعطل مرافق الدولة العامة.
لذلك، أتقدم باستجوابي هذا في وجه وزير الطاقة والمياه، طالبا إلى دولتكم إحالته للحكومة للرد عليه ضمن مهلة أقصاها خمسة عشرة يوما، حسب أحكام المادة 131 من أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب وتعيين جلسة عامة لمجلس النواب، في أقرب فرصة، لإدراجه في جدول أعمالها وطرح الثقة بالوزير وإسقاطه بحجب الثقة عنه، تفاديا لتعاظم أخطاره وإرتكاباته والأضرار التي يتسبب بها".