17500 دولار فقط... ويصبح المبنى مؤهّلاً لذوي الاحتياجات الخاصّة!

تعتمد الدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر تعريفاً للإعاقة على أنها أي حالة جسدية أو فكرية أو طبية تدوم لمدة ستة أشهر أو أكثر، وتعيق قدرة الشخص على إنجاز الأعمال الروتينية في حياته اليومية. وتبيّن الدراسة أن 75 ألف شخص على النطاق الوطني لديهم إعاقة، أي ما نسبته 2 في المئة من اللبنانيين، وترتفع إلى 10 في المئة في دراسات أخرى لمنظمات الأمم المتحدة، وعلى الرغم من أن ذوي الاحتياجات الخاصة يمثّلون جزءاً كبيراً من المجتمع اللبناني، إلا أنهم مهمّشون اجتماعياً واقتصادياً ورسمياً، لا بل إن الحكومات المتعاقبة تعمد إلى مخالفة الدستور الذي ينص على أن المواطنين اللبنانيين سواسية أمام القانون ويتمتعون بالحقوق السياسية والمدنية بمساواة، حيث صدرت قوانين عدة منذ عام 1973 حتى عام 1993، انطلقت في نظرتها إلى ذوي الاحتياجات الخاصة على أنهم غير فاعلين اجتماعياً واقتصادياً، واقتصرت مضامينها على تأمين الخدمات لهذه الفئة من دون النظر إلى ضرورة وضع آلية قانونية واضحة لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، واستكملت الحكومات تجاهلها الغريب لقضايا هذه الفئة بعد أن صدر القانون 220 في عام 2000 الذي عُدّ المقاربة القانونية المنهجية الأولى التي تعالج قضايا الإعاقة في لبنان، ويضمن لذوي الاحتياجات الخاصة حقوقهم المدنية والسياسية، وخصوصاً إنشاء بيئة خالية من العوائق الهندسية... فقد أقر هذا القانون في مجلس النواب في عام 2005، وحتى اليوم لم يصدر مرسومه التطبيقي عن مجلس الوزراء!

 

نحو موازنة بديلة

هذا الواقع الرسمي السيئ دفع اتحاد المقعدين اللبنانيين، بالتعاون مع المعهد الديموقراطي الوطني للشؤون الدولية، لإطلاق مشروع «موازنة بديلة للبنان» في عام 2006، الذي يهدف إلى تمكين الشعب اللبناني، من مساءلة الحكومة اللبنانية على الصعيد المالي، انطلاقاً من أن عمليّة إعداد الموازنة في لبنان تفتقر إلى الشّفافية، ما يتيح للحكومة اللّبنانيّة أن تقلّص من إنفاقها على القضايا الاجتماعيّة الحساسة، فتسبب بالتالي ثغرةً واسعة بين السياسة الماليّة والحاجات العامّة. ومن ضمن هذه الحاجات موضوع تأمين بيئة هندسية ملائمة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتحقيق الدمج الاقتصادي والاجتماعي الكامل... ولتحقيق ذلك، أنجزت مؤسسة البحوث والاستشارات دراسة تحت عنوان «التقدم نحو بيئة دامجة: مقاربة تعتمد على الهندسة المعمارية والموازنة»، وأطلقت هذه الدراسة في ورشة عمل أمس تحت عنوان «المجتمع المدني وعملية إعداد الموازنة العامة وتنفيذها في لبنان»، وتبين الدراسة أن الحكومة اللبنانية لم تضع يوماً الإنفاق الاجتماعي، وخصوصاً الذي يلبي احتياجات الفئات المهمشة، بما فيها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، في سلّم أولوياتها، وقد جرت محاولات منذ عام 1994 لزيادة هذا الإنفاق، محققاً ارتفاعاً نسبته 159 في المئة بين أعوام 1996 و2005، إلا أنه على الرغم من ذلك، بقيت المؤشرات الاجتماعية في لبنان غير مرضية، ما يشير إلى وجود مشكلة في عدم توافق مستويات الإنفاق المحققة مع نوعية الإنفاق الاجتماعي.

 

العوائق الهندسية: مخالفة... وصمت

وينص قانون البناء على وجوب امتثال الأبنية لأحكام القانون 220/2000 الذي يؤكد على حق الشخص المعوّق ببيئة مؤهلة خالية من العوائق، ويعطي القانون مالكي الأبنية العامة والخاصة مهلة 6 سنوات للتقيّد بـ«معايير الحد الأدنى للمنشآت والأبنية» لإجراء التعديلات على الأبنية لجهة تأهيلها، لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من بلوغها واستخدامها. ويقدم القانون مجموعة من المحفّزات المشجعة لاعتماد البيئة المؤهلة، في حين يفرض غرامات باهظة على المخالفين من مالكي الأبنية، على أن تستخدم البلديات كل الضرائب المدفوعة لتمويل مشاريع مراعية لذوي الاحتياجات الخاصة...
وبانتظار إصدار الرسوم التنفيذية للقانون 220، أجرت الدراسة تحليلاً للتكاليف الناشئة عن تأهيل المنشآت بعوامل تيسير وصول ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تبين أن الكلفة الإضافية لتطبيق معايير البناء الخالية من العوائق منذ البداية لا تتعدى 17 ألفاً و700 دولار على الأبنية العامة، ولا وجود لكلفة إضافية على الطرق، وألفاً و750 دولاراً على مواقف السيارات. وتؤكد الدراسة أنه من الأفضل مالياً اعتماد معايير البناء الخالي من العوائق منذ بداية عملية إنشاء الأبنية، وكلما كان المرفق أكبر حجماً، تدنت الكلفة الإضافية لإعادة تأهيل البناء. وتوضح الدراسة أن كلفة إنشاء مدرسة رسمية بمساحة بين 1500 و4400 متر مربع هي بين مليون دولار ومليوني دولار، وتمثّل التجهيزات الإضافية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة بين 1،7 في المئة و2،7 في المئة فقط من الكلفة الإجمالية.
وتوضح الدراسة أن نسبة الإنفاق الجكومي على قضايا الإعاقة لن تكلّف الكثير من الأموال، فإذا افتُرض أنه نُفّذ مشروع تجهيز المدارس الرسمية هندسياً على مدى ست سنوات، فستبلغ الكلفة الكاملة في السنة الواحدة 4،2 ملايين دولار، وعند مقارنة هذا الرقم بمتوسط موازنة وزارة التربية على مر السنوات الخمس الماضية، يمكن الاستنتاج أن الكلفة الإضافية لا تتعدى 0،8 في المئة، وبهذه النسبة الزهيدة يمكن معالجة أزمة 38،2 في المئة من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون الأميّة.


مجرد إشارة

 

إهمال وتقصير
سألت رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين صونيا اللقيس: مَن نسأل عن خرق أهم مبدأ من مبادئ المالية العامة؟ وهو مبدأ سنوية الموازنة العامة الذي يفرض أن يجري العمل في موازنة الدولة خلال فترة زمنية محددة هي سنة. ودعت السياسيين اللبنانيين، وخصوصاً المسؤولين منهم، إلى أن يعوا خطورة الإهمال والتقصير في مسألة عدم وجود موازنة عامة، وأن يُعمل على تلافي نتائج هذا الأمر الذي يهدد البلد اقتصادياً واجتماعياً، وعلى المجتمع المدني أن يضطلع بدور أساسي في كل مرحلة من مراحل إعداد الموازنة وتنفيذها، كما يهدف مشروع الموازنة البديلة عبر مراحل إلى: تتبّع الأداء المالي العام، إعداد الدراسات وتوعية المجتمع، التأثير على الموازنة وصولاً إلى صياغتها. على أن تلتزم الجهات الحكومية المعنية بمبدأ الشفافية وإتاحة الفرصة للوصول إلى المعلومات، وبحق المواطنين في الشراكة في كل المراحل المذكورة.
من جهته، علق وزير المال السابق جورج قرم على مضمون الدراسة المقدمة خلال الورشة، لافتاً إلى أنها «تفتح الشهية» لمعرفة معطيات أكثر عن ذوي الاحتياجات الخاصة غير الواردة في مضمون الدراسة، ودعا إلى استكمالها من حيث استخلاص مؤشرات عن توزّع ذوي الاحتياجات الخاصة بحسب مشكلاتهم الإعاقية، وربط ذلك ببنية إعمارهم، وتكوين نتيجة عن هذه المؤشرات تتعلق بالمستوى التعليمي لهؤلاء. ودعا إلى تكوين مجموعات ضغط للارتقاء بالموازنات إلى موازنات برامج، وأن يُعدّ برنامج عمل على مدى خمس سنوات يتضمن معالجة شاملة لمشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة وقضايا…

 

Ref: http://www.al-akhbar.com/ar/node/77449

                                                رشا أبو زكي عدد الثلاثاء ١٧ حزيران ٢٠٠٨