حملة حقي

الفكرة بسيطة: يفترض بأي مواطن، سياسياً كان أم لم يكن، أن يفهمها: من حق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أن يقترعوا.
للسياسي أن يقول: بالطبع من حقهم، بل إن هذا واجبهم. وإذا كان السياسي نفسه مرشحاً قد يقول في نفسه: «بل سأجعل ماكينتي تجلبه إلى قلم الاقتراع محمولاً».
من هنا تبدأ الإهانة، مقصودة أو غير مقصودة، لا فرق. ليس مطلوباً من أحد حمل الشخص المعوق إلى مركز الاقتراع. الطبيعي هو أن يصل وحده.
السياسي لن يهتم «بتفصيل تافه» مثل، كيف سيعود الشخص المعوق من قلم الاقتراع إلى بيته. لا تحامل على السياسيين هنا. راقبوا خطابات الكثير منهم، ولاحظوا استخدامهم مصطلح «معاق» للدلالة إلى السلبية، وأحياناً للشتم، اضافة إلى مصطلحات كثيرة اهمها الطرشان والعميان والعُرج وغيرها.
في كل انتخابات، نرى شباناً من مناصري مرشح ما يحملون مقترعاً جالساً على كرسيه المدولب، أو على كرسي عادي، صاعدين به أدراج المركز. لا نراهم ينزلونه بالطبع. مهمته تكون انتهت. وهو يكون، تالياً، أول شخص وقع عليه إهمال المرشح الذي اقترع له لتوه.
حسناً. هذا هو بالتحديد ما لا يريده الأشخاص المعوقون. لا يريدون مساعدة من أحد كي يمارسوا حقاً وواجباً ديموقراطيين. المساعدة يجب أن تأتي من مكان آخر. من القانون تحديداً. قانون الانتخابات النيابية الحالي يشتمه الذين اتفقوا عليه فصولاً في الدوحة العام الفائت. هذا القانون فيه إيجابية تظهر للمرة الأولى في تاريخ قوانين الانتخابات في لبنان. إيجابية اسمها المادة 92 وتقول: «تأخذ وزارة الداخلية بالاعتبار حاجات الأشخاص المعوقين عند تنظيم العمليات الانتخابية، وتسهل لهم الاجراءات التي تسمح لهم بممارسة حقهم بالاقتراع دون عقبات».
تضع الوزارة تطبيق هذه المادة بعد استطلاع رأي جمعيات المعوقين وجمعيات الخدمات المنصوص عليها في قانون حقوق المعوقين رقم 220 تاريخ 29/5/2000».
مضمون بديهي كهذا في بلد غربي مثلاً، يعتبر فتحاً لحقوق الإنسان في لبنان. والمادة هي نتاج جهد طويل لحملة «حقي» (إتحاد المقعدين اللبنانيين وجمعية الشبيبة للمكفوفين) بدأ في العام 2005. وهو مستمر منذ ما قبل الحملة بسنوات طويلة.
في حينها، ومع الحديث عن قانون انتخابي جديد، وجدت الحملة الفرصة مؤاتية للضغط باتجاه دمج الحقوق الانتخابية للأشخاص المعوقين بهذا القانون، لكن قانون الانتخابات العام 2000 استمر من دون تعديل. الحملة تابعت، وعندما خرج مشروع «الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب» التي رأسها وزير الخارجية السابق فؤاد بطرس، لحظ موضوع الحقوق السياسية للاشخاص المعوقين، بعدما رفعت الحملة المطلب إليه.
في العام الفائت، ومع تشكيل الحكومة الحالية بدأت حملة الضغط من جديد، وقد وجدت في وزير الداخلية والبلديات زياد بارود ضالتها. هذا الرجل الذي يثبت أنه بقعة ضوء تحتاجها الحقوق المدنية لاختراق جدار السياسة اللبنانية السميك، تبنّى القضية وتطوع فرداً في الحملة، بحسب مجلة «واو» التي تصدر عن اتحاد المقعدين، وكان شريكاً أساسياً مع الحملة في ايصال المادة 92 الى القانون الانتخابي الحالي.
نحن هنا إزاء انتصار قانوني وحقوقي في آن. تقول سيلفانا اللقيس، مديرة البرامج في الاتحاد، إنه «طريقة مشاركة الأشخاص المعوقين لم تكن واضحة في السابق، كما كان هناك التباس في موضوع من يحق ومن لا يحق له ان يقترع. وفي الممارسة، كان ثمة رفض لفئات كثيرة من الاشخاص المعوقين. وبالطبع، هناك العوائق في البنية التي تمنع وصول الاشخاص المعوقين للاقتراع بحرية وكرامة، لأنه وبمجرد ان يساعدك احدهم فهو يؤثر على قرارك. ناهيك عن ان الاشخاص المعوقين لا يعرفون حقوقهم، لأنهم تعودوا العزل، من المدرسة إلى غيره».
المادة 92 هي جزء يسير من الدرب التي على الاشخاص المعوقين عبورها. الجزء الأهم هو المطروح على جدول أعمال مجلس الوزراء، اليوم، أي «مشروع المرسوم حول الاجراءات والتدابير المتعلقة بتسهيل مشاركة ذوي الحاجات الخاصة في الانتخابات النيابية والبلدية».
إذا ما أقرّ مجلس الوزراء هذا البند من جدول أعماله، فقد باتت للمادة 92 آلية تطبيق، او ببساطة، بات لها معنى.
ماذا في مسودة المشروع المطروحة اليوم والتي رفعتها وزارة الداخلية الى مجلس شورى الدولة ومنه الى مجلس الوزراء؟
المادة الاولى من مشروع المرسوم، تتناول «العمل على تجهيز المباني المعتمدة كمراكز أقلام الاقتراع للانتخابات النيابية والبلدية بمواصفات هندسية محددة لأماكن مواقف السيارات وعرض المداخل والممرات وتوفير المنحدرات والمصاعد والمرافق الصحية». اما في قلم الاقتراع فيفرض المرسوم «تأمين إمكانية الدخول والتحرك داخل القلم (عرض الباب أكثر من 90 سم، توزيع الطاولات وأبعادها، العازل وتجهيزه…).
اما المادة الثانية فتقول إنه «في حال تعذر توفر المواصفات الهندسية المنصوص عنها في المادة الأولى، يطلب من الجهات المختصة إعطاء التعليمات اللازمة للقيام بكل ما يلزم من أجل تسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الانتخابات والتأكيد على الإجراءات والتدابير التالية:
1
ـ مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على ممارسة حقهم الانتخابي بالوسائل المتاحة كافة.
2
ـ  وضع إشارات توجه إلى مكان الاقتراع ولافتات بالخط العريض توضح آلية الانتخابات لذوي الاحتياجات الخاصة خارج أقلام الاقتراع وداخلها.
3
ـ  السماح لذوي الاحتياجات الخاصة بركن سياراتهم قرب مراكز الاقتراع.
4
ـ  العمل قدر الإمكان على ضرورة توفير الممرات التي تسمح لذوي الاحتياجات بالوصول من سياراتهم إلى قلم الاقتراع.
5
ـ  اعتماد الطوابق الأرضية في جميع المراكز الانتخابية، وخاصة الكبيرة منها، وفي حال تعذر ذلك اعتماد الطابق الأول كمركز اقتراع وتسهيل عملية وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إليه.
6
ـ  تشغيل المصاعد الكهربائية في حال وجودها لتسهيل انتخاب ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والمرضى.
7
ـ  تدريب رؤساء الأقلام والقوى الأمنية على كيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة لجهة تسهيل عملية وصولهم ودخولهم وخروجهم من قلم الاقتراع واليها.
8
ـ  إنفاذاً للمادة 91 من القانون 25/2008 من حق الناخب المصاب بإعاقة جسدية تجعله عاجزاً عن ممارسة حقه في الاقتراع، أن يستعين بناخب آخر يختاره هو ليعاونه على ذلك، تحت إشراف هيئة القلم.
9
ـ  توفير الإمكانية لذوي الاحتياجات الخاصة لملء ورقة الاقتراع داخل العازل.
10
ـ  تسهيل عملية اقتراع ذوي الاحتياجات الخاصة في صناديق الاقتراع”.
الاجراءات العملية للمادة الثانية من المفترض أن تطبق في السابع من حزيران.
المادة الثالثة من المشروع تذهب إلى ما بعد الانتخابات. وهي التي تؤسس لتطبيق المرسوم. المادة تنص على «تشكيل لجنة إدارية يرأسها المدير العام للمديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين تضم مندوبين عن المديريات العامة في الوزارات والمؤسسات التالية:
وزارة الداخلية، والأشغال، والتربية، والشؤون الاجتماعية، ومجلس الإنماء والإعمار، ومندوب عن إدارة التخطيط والبرمجة. كما تضم هذه اللجنة ممثلاً أو أكثر عن الجمعيات المدنية التي تعنى بالدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (…) وتكون مهمة هذه اللجنة وضع خطة توجيهية لتسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في العمليات الانتخابية التي تلي العام 2009، ومتابعة تنفيذ هذه الخطة، فتلتئم لهذه الغاية ثلاث مرات على الأقل في السنة، وترفع تقريراً سنوياً الى وزير الداخلية حول التنفيذ ومراحله، وبعدها يرفعه الوزير مع الرأي والمقترحات إلى مجلس الوزراء». هذه اللجنة من شأنها أن تؤسس للمستقبل، بحسب اللقيس. فالمرسوم لم يوضع لهذه الانتخابات وحسب، بل للانتخابات بشكل عام. وهو تمهيد للعمل من أجل مرسوم ثان أكثر شمولية باتجاه دمج الأشخاص المعوقين في بلدهم اندماجاً كاملاً. تقصد اللقيس مرسوم تطبيق القانون 220 المقر في العام 2000 والذي يأخذ فيه الشخص المعوق حقوقه كاملة.
أما المادة الرابعة من مشروع المرسوم ففيها: «يُباشر بتنفيذ الأشغال والأعمال والتجهيزات الممكنة، المطلوبة والمحددة أعلاه فور صدور هذا المرسوم، ويستمر العمل بتحضير باقي الأشغال والتجهيزات كي تكون جاهزة في الانتخابات التي تلي انتخابات العام 2009».
اللقيس ترى في «اقرار القانون اهمية توازي اهمية المشاركة في الانتخابات نفسها»، وتنفيذ المرسوم سيعود بالفائدة الكبيرة على الدولة التي ستجهز مدارسها (الجزء الأكبر من مراكز الاقتراع هي مدارس رسمية)، بحيث تسهل امكانية دمج التلامذة والموظفين المعوقين فيها بما يعني ذلك من فرص عمل وتوفير أموال تنفقها على المدارس الخاصة بالتلامذة المعوقين».
الحملة قامت بمسح ميداني لمدى جهوزية المراكز الانتخابية لاقتراع الاشخاص المعوقين في المحافظات اللبنانية الخمس. وصدرت نتائج 73 مركز اقتراع في بيروت، وفيها أن مركزين فقط يؤمنان الحد الادنى من المواصفات المطلوبة، بحسب نائب رئيس الاتحاد جهاد اسماعيل. نتائج مسح المحافظات سيعلن عنها قريباً، وهي مخيبة جداً بدورها، على ما يقول اسماعيل، وعلى ما يجب أن نفترض بداهة.
اسماعيل يشير إلى أن العمل التراكمي هو الذي يؤدي إلى مزيد من الوعي عند الأشخاص المعوقين أنفسهم بحقوقهم، كما عند المعنيين، من السياسي إلى رئيس القلم الذي يفترض به مثلاً ألا يطرح سؤال مجاملة للشخص المعوق الآتي لينتخب مثل: «ليه معذب حالك؟».
اللقيس تطرح على السياسيين سؤالاً لم ينتبهوا إليه: لماذا لا يسألون أنفسهم عن عدم ترشح معوقين؟ الجواب بالطبع: لأن لا يسمح المناخ ولا الثقافة ولا البيئة. إذا ترشح شخص معوق وفاز فإنه لا يستطيع الوصول إلى مقعده في المجلس النيابي، لأن هذه المؤسسة التشريعية غير مجهزة هندسياً له».
بالطبع، فإن الشخص المعوق لا يفترض به ان يترشح عن فئة الاشخاص المعوقين. فالقضية الاولى والاخيرة هي الدمج. هذا ما لا يفهمه سياسيون كثر كانوا يجدون حلاً سريعاً جاهزاً لتسهيل وصول المعوقين إلى مراكز الاقتراع: «فلنجهز مراكز اقتراع خاصة بهم». بالطبع، لا لمبة تجرؤ على الإضاءة فوق فكرة عبقرية كهذه!

جهاد بزي - صحيفة السفير 13 أيار 2009

 

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1233&articleId=1148&ChannelId=28397&Author=جهاد%20بزي