فالق صريفا سيهدأ.. لكنّ الخطر في مكان آخر

فالق صريفا الصغير، نسبة إلى الفوالق الثلاثة التي تقطع لبنان من أقصاه إلى أقصاه، في طريقه إلى الهمود مجدداً، وربما لن يعود إلى نشاطه الحالي قبل مئة سنة أخرى. هذا ما يمكن استنتاجه بعد مقابلة مطوّلة مع الجيوفيزيائي والعالم بالهزات الأرضية الدكتور عطا الياس.

بدأت الهزّات بالظهور على شاشات الرصد وفي بيوت سكان البلدات الواقعة على أطراف فالق صريفا الصغير، منذ أيلول 2007، بقوة خفيفة، وبوتيرة خفيفة أيضاً. وفي كانون الثاني 2008 بدأ عدد الهزات يرتفع، وقوتها أيضاً.

في شباط من العام نفسه، زاد عدد الهزّات بشكل كبير، لتسجّل 240 هزّة، أي بمعدّل 8 هزّات يومياً، أو هزّة كلّ 3 ساعات. وكانت الهزة الأقوى بقوة 5 درجات في 12 شباط عند الثانية عشرة ظهراً. هذه الهزة هي التي أخرجت المواطنين من بيوتهم وأخافتهم أكثر من غيرها، لأنّها كانت الأقوى ودامت أكثر من غيرها.

تراجع عدد هذه الهزات في آذار ونيسان، ثم عاد ليرتفع في حزيران مع هزة بقوة 4 درجات في 13 منه، وصلت ارتداداتها إلى صور والنبطية، "تبعتها هزات ارتدادية خفيفة لم يشعر بها السكان"، بحسب المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس.

ومنذ ذلك الحين يتراجع عدد الهزات شهريا، وبحسب د. الياس، فإنّ احتمال عودة الهدوء إلى هذا الفالق الصغير الذي يمرّ في بلدة صريفا هو احتمال يرتفع يوما بعد يوم "لأن النشاط الزلزالي إما يبدأ فجأة ويعود إلى الهدوء مع نشاط إرتدادي، كما حصل في سومطرة حيث ما زال السكان يشعرون بهزات إرتدادية حتى اليوم، أو يبدأ النشاط بالإرتفاع تدريجياً، ثم ينخفض تدريجياً وينحسر، إلى أن يخمد طويلاً بعدها".

لا يستنسب د. الياس أن يعطي أرقاما جازمة "لأن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالهزة قبل وقوعها، لكن بحسب الدراسات فإنّ النشاط الزلزالي في صريفا قد يكون في طريقه إلى الخمود لسنوات طويلة".



خلال السنتين الماضيتين عانى أهالي صريفا والقرى المجاورة لها إهمالاً كبيراً، لكونهم يعانون نشاطاً زلزالياً غير طبيعي. لكن ما زاد في طينهم بلّة أنّ الدولة، بإداراتها المعنية ووزاراتها المختصة، ومراكز أبحاثها، لم تلتفت إليهم، ولو مرة واحدة خلال السنتين الماضيتين.

حتى إنّ معظم السكان في تلك القرى، إلى الآن، لا يعرفون ما الذي يجب عليهم أن يفعلوه قبل أو بعد أو خلال الهزة. جلّ ما يفعلونه، بحسب من التقيناهم هناك، هو أنهم يخرجون من منازلهم إذا شعروا بالهزة، ويظلّون خارجها إلى أن تهدأ الأمور. وأحيانا، إذا اهتزّت بهم الأرض ليلاً، يبيتون ليلهم في خيم ينصبونها كلّما ازدادت وتيرة الهزات.

وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، لم يزر خبير أو متخصص، ولو مرة واحدة، هذه القرى، ولم تعقد فيها ندوة أو محاضرة، ولا حتى وزعت منشورات، عن كيفية اتقاء الخطر والتقليل من إمكانيته خلال الهزّات الأرضية.

هذا التقصير الحكومي والإجتماعي والأهلي دفع بفرع الخدمات الإنسانية في القوات الدولية العاملة في الجنوب، اليونيفيل، إلى تحضير مناورة تدريبية كبيرة في منتصف شهر آب، الهدف منها تعليم أهالي القرى الواقعة على الفالق الصغير كيفية التصرف خلال الهزّة وبعدها.

المناورة ستستمرّ لـ36 ساعة، يتم خلالها إخلاء المنازل بشكل متزامن، والتدريب على الإسعافات الأولية وعلى إخلاء المصابين، بالإشتراك مع الجيش اللبناني والدفاع المدني.

وهم يشيرون إلى الأضرار التي أصابت منازلهم خلال موسم الهزات، من أن التعويضات التي وعدتهم بها الهيئة العليا للإغاثة لم تصلهم بعد. وكثيرون منهم لم يستطيعوا إعادة بناء وترميم ما تضرّر. والسائر في شوارع صريفا وغيرها من القرى سيرى بالتأكيد شرفات منهارة، مازالت أنقاضها على جوانب الطرق.

والداخل إلى البيوت سيلاحظ التشققات الواضحة في الجدران وفي السقوف، وهي تهدد السكان في حال تجدّدت الهزات. ومعظم السكان، الذين يعتاشون من الزراعة ومن حرف لا تدرّ ما يكفي من المال، لا يستطيعون إصلاح الأضرار من دون التعويضات اللازمة.



إلى جانب غياب الاهتمام الرسمي وغياب اهتمام الجمعيات الأهلية وغير الحكومية، تنتشر في صريفا وأخواتها أقاويل عن أنّ هذه الهزّات مصدرها إسرائيل. وتتغذّى هذه الأقاويل من التدريبات العسكرية التي تجريها القوات الإسرائيلية على الحدود منذ فترة.

هكذا يصير عادياً أن تسمع من العجائز، ومن المراهقين في الوقت نفسه، أنّ القوات الإسرائيلية تقوم بتدريبات تحت الأرض وفوقها، تجعل الأرض تهتزّ، بهدف إخافة اللبنانيين.

في المقابل، ثمة من يقول إنّ سبب الهزّات هو تفجيرات يقوم بها عناصر من "حزب الله" لحفر خنادق وأنفاق في الجبال المجاورة للبلدة. ويقول رئيس بلدية صريفا علي عيد أن السكان يشكّون في أنّ كثرة القذائف والصواريخ والقنابل التي سقطت على المنطقة في حرب تموز قد تكون هي السبب.

لكنّ الحكايات هذه تبعث على الضحك حين تقال في حضرة د.الياس، الذي يؤكد أنّ "مجموع ما سقط على لبنان كلّه خلال الحروب التي خيضت على أرضه ليس كافيا لإحداث هزّة أرضية، حيث إنّ كمية الطاقة المتجمعة في هزة أرضية خفيفة قوتها 5 درجات مثلاً ، يحتاج التسبب بها  إلى قنبلة نووية تعادل قوة قنبلة هيروشيما".



لكنّ فالق صريفا ليس هو المشكلة بحسب د. الياس، فخلال الحديث الذي كان مخصصاً للسؤال عن الـ"ألف هزة في صريفا"، لفت الباحث النظر إلى وجود ثلاثة فوالق كبيرة تقطع لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ولا تقلّ قوة هزّاتها المنتظرة عن سبع درجات.

الأول هو فالق سرغايا، الذي يعبر سلسلة جبال لبنان الشرقية الفاصلة بين لبنان وسوريا، وهو يتحرك مرّة كلّ ألفي سنة، وتحركه الأخير كان في العام 1758، ما يعني أنّه لن يتحرك قبل أقلّ من ألف عام، بحسب د. الياس.

الثاني يعبر سلسلة جبال لبنان الغربية ويسمى فالق اليمونة، وهو يتحرك مرة كل 800 إلى ألف سنة، وهو الأكبر والأخطر لأنه يقسم لبنان بالنصف، والهزة الأخيرة على هذا الفالق كانت في العام 1202، وكانت قوية جدا: "هذا الفالق يجب أن نخاف منه لأنّ وقت تحرّكه اقترب"، يقول د.الياس.

والثالث، فالق جبل لبنان، يبدأ من فالق اليمونة شمالاً ويدخل من طرابلس إلى البحر، ليمتد قبالة المدن الساحلية اللبنانية، ويعود من صيدا إلى البرّ ليلتحم بفالق اليمونة.
هذا الفالق، إذا تحرّك، سيتسبب بموجات تسونامي على طول الشاطئ اللبناني: "ويجب على الناس أن تخاف من الهزة أكثر من التسونامي، لأنّ التسونامي لا يدخل أكثر من مئات الأمتار، فيما الهزّة تضرّ المدن الساحلية كلّها". ويتحرك هذا الفالق  مرّة كل 1500 إلى 1750 سنة، وتحرّكه الأخير كان في العام 551، ما يعني أن موعد تحرّكه الجديد قد اقترب أيضاً: "لذا نحن في فترة حساسة وحرجة من عمر فالقين كبيرين"، يقول د. الياس.



يبقى أنّه "لا أحد يمكنه التنبؤ بمواعيد الهزّات الأرضية"، يقول الباحث، ويضيف إن "هذا مؤكد، لكنّ دراسة تواريخ الفوالق وطرق تحرّكها سمحت بتكوين فكرة عن مواعيد تحرّكها التالية، لكننا ندعو  إلى عدم الهلع".

أما سبل الوقاية فتتلخّص في تشديد القيود على إعطاء رخص البناء، وإجبار المهندسين والمتعهدين على تجهيز المباني الجديدة ضد الهزات والزلازل، بحسب ما ينصّ القانون اللبناني... هذا القانون الذي لا يطبّق كما يجب، (بشهادة مصدر من داخل نقابة المهندسين).

كما يجب على الإدارات المعنية في الدولة أن تبدأ بحملات توعية للمواطنين كي يجهّزوا أنفسهم ومنازلهم لأيّ طارئ، كما هو الحال في الدول الواقعة على فوالق كبيرة.

كذلك يجب تدريب المؤسسات المعنية، مثل الدفاع المدني والصليب الأحمر، على كيفية التصرف خلال وبعد الهزات، ويجب على المؤسسات بشكل عام، ولا سيما منها المؤسسات الكبيرة، مثل المجمعات التجارية العملاقة على سبيل المثال، أن تعدّ خططا لطوارئ من هذا النوع، وكذلك المدارس والجامعات.

.. نحن لا نقول إننا على وشك المعاناة من هزّات أرضية وزلازل، غير أن الاستعداد
واجب.

Reference: nowlebanon.com