المنتدى العربي للبيئة والتنمية

المنتدى العربي للبيئة والتنمية يبحث "أثر تغير المناخ على المنطقة العربية"
* حسان غانم
تشهد بيروت في 19 و20 تشرين الثاني2009 انعقاد المؤتمر العام السنوي الثاني للمنتدى العربي للبيئة والتنمية بعنوان "أثر تغير المناخ على المنطقة العربية"، وهو أهم ملتقى بيئي عربي لعام 2009 يسبق مشاركة الدول العربية في مؤتمر كوبنهاغن حول تغير المناخ الذي يلتئم في كانون الأول المقبل، ويُعقد مؤتمر المنتدى في بيروت برعاية السيد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان.
ويسجل المؤتمر وللمرة الأولى عرض ومناقشة تقرير شامل مستقل ومختصّ حول أثر تغير المناخ على البلدان العربية، على أساس الدلائل العلمية ونتائج أحدث الأبحاث، وعرض صور فضائية تشاهد للمرة الأولى أيضاً وتظهر التغيرات في البيئة الساحلية والغطاء النباتي والتمدد العمراني في جميع أجزاء المنطقة، كما تقدم فيه نتائج الاستطلاع الأول للرأي العام العربي حول تغير المناخ.
ويجمع المؤتمر كل أعضاء المنتدى الذين ينتمون إلى القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني و20 جامعة ومركز أبحاث ووسائل الإعلام والهيئات الحكومية بصفة أعضاء مراقبين من جميع الدول العربية، إلى جانب حشد من الوزراء العرب وعدد كبير من الباحثين ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في المنطقة ونحو 30 مؤسسة أبحاث أجنبية ومؤسسات من أميركا وألمانيا وإسبانيا واليابان وفرنسا وهولندا وبنغلادش، للوقوف على آليات المجابهة التي تعتمدها تلك الدول للتصدي للتغير المناخي.
ويوضح أمين عام المنتدى العربي رئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية" نجيب صعب أن "12 وزيراً عربياً للبيئة والطاقة أكدوا مشاركتهم في المؤتمر من بينهم السعودي والأردني واليمني والإماراتي والسوداني والعراقي، ومن المتوقع حضور نحو 20 وزيراً عربياً. كما سيكون بين المتحدثين في المؤتمر وزيرة المناخ والطاقة الدنماركية ورئيسة مؤتمر كوبنهاغن حول تغير المناخ كوني هيديغارد ورئيس الاتحاد العالمي لصون الطبيعة آشوك كوسلا وأمين عام مرصد الساحل والصحراء يوبا سوكونا ورئيس شبكة العمل المناخي في جنوب آسيا عتيق رحمن.
ويقول صعب: "إن موضوع المؤتمر الرئيسي هو عرض ومناقشة تقرير شامل أعده المنتدى عن وضع البيئة العربية بعنوان "البيئة العربية: تغير المناخ" ولإصدار توصيات والعمل على إدخالها في برامج عمل الحكومات والمنظمات الإقيلمية والدولية والقطاع الخاص. كما سيتم خلاله إطلاق بعض البرامج الجديدة للمنتدى مثال برنامج "الاقتصاد العربي الأخضر"، بعد أن أطلق عام 2007 برنامج "المسؤولية البيئية لقطاع الأعمال" الذي تم عبره عقد قمة لرجال الأعمال في أبوظبي شارك فيها 120 رئيس شركة عربية كبرى، التزموا في حينه بخفض استهلاك الطاقة والمياه في عملياتهم بنسبة 20 في المئة حتى عام 2012 وبإصدار تقارير دورية عن الأثر البيئي لأعمال شركاتهم".
ويتابع: "لقد تطور البرنامج عام 2009 الى ورش عمل متخصصة في 7 دول عربية عن "الاقتصاد العربي الأخضر"، بهدف وضع خطة طريق وتحديد الأولويات في كيفية تحويل قطاع الأعمال الى قطاع "أخضر" صديق للبيئة وفي الوقت نفسه مربح مادياً، وستعرض هذه الخطة خلال المؤتمر السنوي، حيث سيضع المشاركون فيها برنامجاً للمرحلة المقبلة وأهميتها أنها تقوم على شراكة بين القطاعين العام والخاص".
ويعتبر "أن المؤتمر الذي يُعقد قبل 3 أسابيع من مؤتمر كوبنهاغن حول تغير المناخ يشكل مناسبة أخيرة تجمع الوزراء العرب للتباحث حول تطوير مواقف تساعد في مواجهة التحدي وتحافظ على المصالح العربية. والتقرير يتضمن دراسة مفصلة عن المفاوضات الدولية حول تغير المناخ تعد بمثابة خطة طريق ممكنة للدول العربية تحدد مسار وكيفية مساهمتها في التصدي لهذا التغير العالمي، لا سيما وأن من يجري المفاوضات هي دول ذات مصالح وليست جمعيات خيرية".
ويشير الى "أن الدول العربية هي من أكبر الدول المصدرة والمنتجة للنفط ومن حقها أن تطالب بالحفاظ على مصالحها، وذلك عبر التحول الى تكنولوجيات أخرى أو حتى الى تكنولوجيات نظيفة باستخدام النفط من دون إصدار الانبعاثات مثال جمع الكربون وتخزينه إما في خزانات في قعر المحيطات أو في خزانات جوفية طبيعية أو في آبار البترول الفارغة، وهذه تكنولوجيا مهمة جداً لم يُجرَ عليها أبحاث كافية وهي تستوجب حصول الدول النفطية في المفاوضات على مساعدات تكنولوجية ومالية، خصوصاً وأنه توضع مليارات وبلايين الدولارات في الصين والولايات المتحدة الأميركية لتطوير أساليب نظيفة لاستخدام الفحم الحجري الموجود بكثرة في هذين البلدين".
ويوضح صعب "أن المؤتمرين سيناقشون فصول التقرير السنوي الذي يتضمن عناوين عديدة منها: المفاوضات الدولية المناخية لما بعد "كيوتو"، نحو استراتيجية عربية لتغير المناخ، الجهود العربية للتخفيف من مسببات تغير المناخ، أثر تغير المناخ على المناطق الساحلية وعلى الإنتاج الغذائي والمياه العذبة والصحة والتنوع البيولوجي والسياحة والسكن والطرق والبنى التحتية وعلى المنطقة العربية في صور فضائية. كما يتطرق التقرير الى العلاقة بين مفاوضات تغير المناخ ومفاوضات التجارة وإلى الرأي العام العربي وتغير المناخ".
ويقول صعب: "إنه تقرير شامل يعالج مواضيع أساسية تتعلق بأثر تغير المناخ على البلدان العربية، وهي تُطرح للمرة الأولى ولا توجد دراسات حولها، خصوصاً وأن المنطقة العربية ستشهد مع التغير المناخي ازدياداً في الجفاف والعواصف الرملية وهي في معظمها دول إما صحراوية أو على حدود الصحراء، وتبين الصورة الفضائية مدى زيادة العواصف الصحراوية ومدى امتداداها، إذ أنها تبدأ أحياناً من إيران ولا تنتهي حتى آخر مصر". ويؤكد أن "ازدياد الجفاف والعواصف سيؤدي الى زيادة كبيرة في الأمراض الرئوية وأمراض الحساسية وأن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي الى ارتفاع الإصابات بالملاريا في المناطق التي كان يتواجد فيها هذا المرض سابقاً مثل مصر والسودان، إلا أن الملاريا وغيرها من الأمراض ستنتقل الى مناطق جديدة، حيث ستجد الظروف الملائمة لنموها".
ويشير الى "أبحاث تجرى حول العالم منذ سنوات، إذ تتحضر أوروبا مثلاً لبعض الأمراض الاستوائية غير الموجودة فيها سابقاً، وذلك نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، ما يعني أهمية إيجاد برامج أبحاث طبية في أكثر من منطقة عربية ومراكز أبحاث تدرس أثر تغير المناخ على الصحة".
ويبدي تخوفه من ارتفاع معدل درجات الحرارة في العالم، إذ ارتفع خمس درجات خلال 10 آلاف سنة أي منذ آخر العصر الجليدي ودرجتين خلال خمسين سنة فقط، ما ينبئ بعواقب وخيمة، محذراً من "انعدام بدائل الخصب في منطقة "الهلال الخصيب" نتيجة تدهور إمدادات المياه بشكل كبير، ما يحتّم ضرورة اعتماد إدارة رشيدة للمياه ووقف الهدر والتبذير، خصوصاً في المجال الزراعي، والتفكير بأساليب جديدة في كثير من الدول العربية لتأمين موارد مائية".
ويقول: "تعتمد الدول الخليجية على تحلية مياه البحر، فنحن نحلي 70 في المئة من المياه المحلاة في العالم ولكننا نستورد تقريباً 100% من التكنولوجيا والمعدات المستخدمة في التحلية، فلا بد من توطين التكنولوجيا وصناعة تقنيات التحلية وتطوير تقنيات جديدة تجعل المياه المحلاة اقتصادية للاستعمال الاقتصادي للزراعة والشرب على حد سواء".
وفي حين يؤكد صعب "أن الأنظمة الطبيعية والزراعية قد أثبتت تاريخياً قدرة على التأقلم مع المتغيرات المناخية، يشكك في مدى استمرار هذه القدرة مع ارتفاع معدل الحرارة، إذ تبين نتائج أبحاث التقرير أن كثيراً من أنواع النباتات لن يعود من الممكن إنتاجها وزرعها في المنطقة العربية، ما يفرض علينا البحث عن فصائل جديدة من القمح والشعير مثلاً التي تحتاج الى مياه أقل وتنمو بوقت أقصر وتحتمل حرارة أعلى ونسبة ملوحة أكثر في المياه".
ويردف: "يعرض التقرير أثر تغير المناخ على السياحة، وهذه مسألة جديدة، فهناك مناطق ساحلية في العالم العربي سيصبح استعمالها غير ممكن مع ارتفاع مستوى البحار الى 59 سنتم كما هو متوقع، كما أن الكثير من الشواطئ الرملية المستخدمة للسياحة البحرية في المنطقة ستصبح غير صالحة، كما أن مناطق البحر الأحمر والخليج التي تحتوي على شعاب مرجانية وتستغل سياحياً وخصوصاً شرم الشيخ في مصر وخليج العقبة في الأردن، ستعاني فيها الشعاب المرجانية من "الابيضاض" نتيجة زيادة الحموضة في المياه وارتفاع الحرارة، ما يؤدي بالتالي الى تآكلها واختفائها".
وينبه من "أن بعض الدلائل العلمية تحذر من إمكانية ارتفاع مستوى البحار بنسبة أعلى وبوقت أسرع بسبب التشققات الكبيرة في الجليد القطبي الجنوبي، ما يطرح ضرورة البدء بالتفكير بوجهات بديلة للسياحة البحرية مثال السياحة التراثية والثقافية التي لا تتأثر كثيراً بتغيرات المناخ، وهذه السياحة موجودة بكثرة في لبنان".ويشير صعب الى "أن جديد التقرير هو تحليل لصور فضائية حديثة وعالية الجودة أنجزها مركز علوم الفضاء في جامعة بوسطن الأميركية خصيصاً للتقرير، حيث تم للمرة الأولى تطوير سيناريوهات للآثار الممكنة لارتفاع مستوى البحار من متر الى خمسة أمتار على الشواطئ العربية، ويظهر أن ارتفاع متر واحد سيؤدي الى غمر 41 ألف كلم2 من الأراضي العربية أي ما يقارب 4 مرات مساحة لبنان، كما أن هذه المياه عندما تعلو ستتداخل مع المياه الجوفية العذبة".
ويتابع: "تبيّن الصور الفضائية أيضاً أثر التمدد العمراني العشوائي في بعض المدن العربية مثال بيروت ودبي والقاهرة، حيث استعملت تقنية جديدة أظهرت الفارق بين درجات الحرارة داخل المدينة وخارجها وسوء التنظيم المدني الذي لا يأخذ في الاعتبار شكل المدينة وتخطيطها على الطقس والتغيرات الحاصلة ولا يسمح بالدوران الطبيعي للهواء".
ويتحدث عن دراسة فضائية عن دلتا النيل وبنغلادش التي ستكون من أول المناطق المتأثرة بالتغير المناخي بسبب انخفاضها، متطرقاً الى "الاستطلاع الذي استهدف الرأي العام العربي وأظهر قبولاً شاملاً تقريباً لدى هذا الرأي بأن المناخ يتغير وبشكل رئيسي بسبب النشاطات الإنسانية لا العوامل الطبيعية وأن الحكومات العربية لا تقوم بما فيه الكفاية للتصدي للمشكلة، كما يؤكد استعداد هذا الرأي لقبول إجراءات الحكومات حول الحد من تغير المناخ وإن كانت إجراءات قاسية".
ويشدد صعب على أن "تغير المناخ ظاهرة عالمية وكارثة ستلقي بآثارها على الجميع من دون استثناء، ولبنان سيتأثر كثيراً لأنه بلد صالح للزراعة التقليدية بوجود التربة الصالحة ومصادر المياه، إلا أن هذه المصادر ستتناقص وسيزداد الجفاف في المناطق الصالحة للزراعة وسنعاني من ارتفاع مستوى البحار، ما يعني ضرورة أن نكون مستعدين للمواجهة عبر أنظمة بناء تراعي المسافات الدنيا بين شاطئ البحر والمنشآت الدائمة وقوانين تحدد الأطر اللازمة وعبر بنى تحتية تحتمل حرارة أعلى وإدارة رشيدة للمياه، فلبنان غني بإمدادات المياه ومصادرها وأي ادعاء ثان هو خاطئ، إلا أن الإدارة
سيئة".

Reference: http://www.almyah.com/vb/showthread.php?p=1465