حركة مطار بيروت تستعيد زحمة ايام العز والازدهار

كتبت نهاد طوباليان
ما احلى العودة، ولبنان حلو ولبنان هو وطننا الثاني، كلمات تخرج تلقائيا من على لسان العائدين الى لبنان من المغتربين والمصطافين العرب والخليجيين بحيوية خاصة لحظة خروجهم من المعاملات الروتينية في المطار، ودخولهم الى قاعة الوصول حيث يكون في انتظارهم، مهرجان استقبالي ضخم من عائلاتهم واصدقائهم...
ويوازي هذه الفرحة، حركة لا تهدأ في مطار رفيق الحريري الدولي. حركة وصول اعداد كبيرة من الطائرات من اتجاهات عدة، تحمل على متنها الى ابناء البلد، احباء لبنان من اشقاء عرب لا غنى لهم عن الاصطياف في الربوع اللبنانية.
مطار رفيق الحريري الدولي يعيش اليوم حركة متواصلة، حولت هدوء ايامه السابقة التي فرضتها احداث لبنان، الى حركة لا تهدأ اشتد وقعها طوال الاسبوع الفائت، وتجلت باستقبال عدد كبير من الطائرات، يوميا، آتية من مختلف ارجاء العالم، وتحمل على متنها عددا كبيرا من المصطافين العرب والخليجيين الذين حجزوا لصيفهم في الفنادق والبيوت التي يملكون، وهو ما حول المطار على مدى ايام الاسبوع الفائت، الى ما يشبه خلية نحل، تجسدت بصورة اعادت الى الاذهان ايام عز لبنان.
بوابة العبور الجوية الى لبنان، المطار لا ينام. فما بين حركة اقلاع وهبوط تفوقت حركة الهبوط على الاقلاع مع رفع شركات الطيران - اللبنانية والعربية والخليجية وحتى الفرنسية والاوروبية، من عدد رحلاتها باتجاه لبنان، فبدت قاعة الوصول وكأنها مقر دائم للاستقبالات، استقبال الوافدين من الخليج واوروبا والقارة الاميركية.
الحيوية التي تدب حاليا في ارجاء المطار وتحديدا في قاعة الوصول، انسحبت الى الطريق المؤدية اليه وعلى مدخله... السيارات تتدافع باتجاه قاعة الوصول فيما مدخله الخارجي تحول الى غابة من السيارات والمواطنين القادمين وعائلاتهم المستعجلين في الوصول الى وجهة سكنهم.. اما قاعة الوصول، فتعج بالمواطنين من مختلف المناطق اللبنانية، الذين توزع غالبهم عند الحواجز المرفوعة عند باب الدخول الى القاعة، يراقبون الوجوه الخارجة منه، وينهالون بكلمة الـ (اهلا وسهلا) عند رؤيتهم عائلات خليجية تدفع بحقائبها باتجاه خارج الممر... مشهد، يؤكد ان صيف لبنان الموعود، اطل برأسه من بوابة المطار، مسجلا وصول اعداد كبيرة من المغتربين اللبنانيين والمصطافين العرب والخليجيين، حركة طيران ناشطة باتجاه لبنان، ما دفع بشركات الطيران الى رفع رحلاتها باتجاه هذا الوطن من اتجاهات مختلفة. فكيف بدت الحركة في المطار منتصف الاسبوع، وماذا يقول الوافدون?


بيروت رائعة
وسط عجقة المستقبلين وباقات الزهر الملونة والبالونات، والتدافع للقاء الاحبة من لبنانيين استعجلوا الوصول الى لبنان، للقبض على الصيف من اوله وتمضية اوقات ممتعة مع عائلاتهم، شق المواطن السعودي محمد عبد القادر طريقه بصعوبة الى الباب الخارجي لقاعة الوصول. لم يكن احد بانتظاره، لأنه كما قال لـ (الانوار)، لم ابلغ احدا من اصدقائي بقدومي لأني اريد مفاجآتهم، وتمضية اجازتي القصيرة في الربوع اللبنانية سياحة اينما كان، بعيدا عن هموم العمل وتعبه.
لبنان بالنسبة لمحمد عبد القادر هو موطنه الثاني بعد المملكة العربية السعودية. ويقول في هذا الاطار فيما يهم بدفع العربة المحملة بحقائبه، لا يمكنني استبدال لبنان ببلد اخر، اذا ما اردت ان اغير اجوائي، ان لبنان (غير شكل) وبيروت رائعة في كل شيء، وامل اذا استطعت وسنحت لي ظروف عملي ان امدد اقامتي، والا سأغادر على ان اعود مجددا خلال الصيف.
ومن المملكة العربية السعودية، وعلى متن طيران الشرق الاوسط وصل السيد خالد العلكمي وعائلته المؤلفة من زوجته وابنتيه ونجله، السيد خالد يوضح انها ليست المرة الاولى التي يأتي وعائلته فيها الى لبنان، اذ يقصده في كل صيف تقريبا، لماذا? يجيب السيد خالد: لأننا نحب لبنان واللبنانيين. وفيما توافقه عائلته الرأي وتشاطره عاطفته باتجاه لبنان، يوضح انه احضر عائلته لتمضية فصل الصيف متنقلة في الربوع اللبنانية، على ان يلازمها فترة اسبوعين ليعود بعدها الى المملكة لمتابعة اعماله، ومن ثم العودة مجددا للالتحاق بعائلته، واكمال فترة الصيف.
لا ندري اين سنتواجد في لبنان، يعلق السيد خالد العلكمي، لكننا سنزور كل لبنان، فيما ابني سنسجّله في مخيم صيفي. ليختم كلامه قبل مغادرته المطار بالقول: اني مطمئن الى الوضع في لبنان، وكل أملي والذي هو أمنية كل الشعب السعودي والخليجي، ان ينعم بلدكم بالسلام والاستقرار والازدهار...
ومع وصول طائرة تابعة لطيران الخليج آتية من البحرين، وعلى متنها عدد كبير من المواطنين اللبنانيين الى جانب عدد من الأشقاء البحرينيين، بعضهم من رجال الأعمال، وبعضهم الآخر من الذين يقصدون لبنان للسياحة والاصطياف، يبادرنا البحريني محمد صلاح الدين الى القول: نحب لبنان، وهل من احد لايحب هذا البلد الرائع بشعبه وطبيعته، والذي نأمل من أهله ان يحبوه كما نحبه نحن، ليوضح: لقد سبقت عائلتي لتمضية عدة ايام، على ان اعود مجدداً الى البحرين ومن ثم مرافقة عائلتي الى لبنان، لتمضية جزء من الصيف في ربوعه، ليختم كلامه قبل ان يستقلّ السيارة التي ستقلّه الى الفندق: كل شيء رائع في لبنان، إلا الاجراءات داخل المطار، فأجهزة الكمبيوتر بطيئة، وتؤخر إتمام المعاملات، فأرجو ان تأخذوا ملاحظاتي بالاعتبار لتحسين هذه الخدمة، لا سيما وان بلدكم مشهور بالسياحة وحسن الاستقبال.
(مش معقول)
(هو معقول يجي الصيف وما نزرش لبنان، هو بلدكم حلو أوي، وعايزين نتفسّح فيه)، بهذه الكلمات عبرت المصريتان الدكتورة زمزم والسيدة عفاف عن فرحتهما لحظة دخولهما قاعة الوصول في المطار. وبعدما تلفتتا يمنة ويساراً تتأملان العجقة وجمهور المستقبلين من لبنانيين لأبنائهم وأقاربهم العائدين، علقت الدكتورة زمزم: ده لبنان الحلو العاوزين تشوه. إحنا هنا لمشاركتكم فرحتكم، إحنا الشعب المصري نحبكم وعاوزينكم تفرحوا بحالكم وبكل زوّاركم. لتغادر بعدها وصديقتها السيدة عفاف وحقائبهن الكثيرة على متن سيارة، كانت بانتظارهن الى محطة بحمدون التي وصفتاها بـ (تجنن).
شعب يستأهل الحياة
ومن البحرين ايضاً حيث كان في استقبالها زوجها مدير عام طيران الخليج في لبنان البحريني السيد محمود عباس، وصلت السيدة فرشت عبدالله، ومعها صديقتها السيدة فريدة البنى. السيدتان عبدالله والبنى أوضحتا انها المرة الاولى التي تزوران فيها لبنان، وتأملان ان تمضيا وقتاً رائعاً في اكتشاف هذا البلد الذي اعتبرتاه (لبنان هو بلدنا الثاني بعد البحرين)، و(نحن نحب لبنان) و(إن تأخرنا كثيراً في المجيء اليه، وانشالله هذه الغيمة السوداء التي رفرفت فوق سمائه تنقشع، فانتم شعب يستأهل الحياة).
وبالموازاة، يوضح عباس بأن الطائرة التي وصلت من البحرين كانت (مفولة) ويعلّق فرحاً (الله يكثّر من أمثالها) في اشارة الى ان تكون كل الطائرات الآتية الى بيروت (مفولة) بمحبي لبنان. وبما خصّ الحجوزات على طيران الخليج باتجاه لبنان صيفاً، اوضح: ان الحجوزات على متن كافة طائراتنا اغلقت، ويمكن وصفها بمستوى عال، الأمر الذي دفعنا الى رفع عدد رحلاتنا باتجاه لبنان الى 11 رحلة في الأسبوع، تزامناً واستبدال حجم طائراتنا بحجم اكبر، لتتسع لأكبر عدد ممكن من المسافرين باتجاه خط البحرين - بيروت وبيروت البحرين.
ومن صنعاء، عادت عائلة لبنانية لتمضية الصيف متنقلة بين الجنوب وبيروت. وتقول الوالدة فيما إغرورقت عيناها بدموع الفرح عند ملاقاة عائلتها واشقائها الذين قدموا خصيصاً لاستقبالها من الجنوب: لا يمكننا التخلي عن لبنان، انه الروح والقلب، ومن دونه لا يمكننا العيش. اعود اليه بشوق كبير ولهفة تزداد يوماً بعد يوم في الغربة، وسأسعى للتزود بكمية كبيرة من هوائه لأحملها معي الى صنعاء.
وبانتظار اكتمال عقد وصول كامل افراد العائلة التي استوقفتها اجراءات الدخول الى المطار، تجمعت مجموعة من السيدات الكويتيات ينادين على بعضهن بعض، وفيما رفضت جميعهن اعطاء اسماءهن اكتفينا بالقول: ان لبنان بعد الكويت هو بلدنا الثاني. انه بلد سياحي وبلد الاصطياف الذي لا مثيل له، ولن نجد أجمل وأفضل منه لا في أوروبا ولا في أميركا، وسوف نمضي فصل الصيف في العبادية، حيث نملك منزلا، على أمل ان لا يطرأ ما ليس في الحسبان، فنضطر عندها للمغادرة بحزن عميق.
من جهتها، تقول مسافرة وصلت من الكويت، فيما يحوطها أفراد عائلتها: جئنا لتمضية الصيف في بلدة حمانا التي نصطاف فيها منذ الستينات. نحب هذه البلدة لمناخها وجمالها الطبيعي. نحن الكويتيون نحب لبنان وشعبه. وبعدما قاطعتها ابنتها بدرية بالقول (حلو لبنان). وتضيف: برغم كل ما حصل في لبنان، والوضع السياسي غير المستقر فيه، لم نتردد لحظة في حزم حقائبنا للمجيء اليه، وتمضية فصل الصيف فيه. الشعب الكويتي بحب لبنان، وعدد كبير جدا منهم سيصل تباعا، أتعرفين لماذا? وتسأل وتجيب نفسها: لأنكم شعب يحب الحياة وتستأهلون أياما حلوة، ولتختم كلامها قبل مغادرة قاعة الوصول: أتعرفين، حتى في حرب تموز 2006، ترددنا كثيرا قبل مغادرة بلدكم. فكيف لا نأتي اليوم.
ومن المانيا، دخلت لبنانية عائدة قاعة الوصول وسط طبل وزمر وباقات الزهور التي استقبلها بها أفراد عائلتها اللبنانية، التي جاءت خصيصا من البازورية في الجنوب لملاقاتها. وبين معانقة أشقائها وتقبيل أولادهم، لم تنفك عن القول (ان شاء الله على طول يبقى لبنان عمران بالأحباء). الغربة بشعة خصوصا حين نكون بعيدين عن العائلة التي نحب، وجئت اليوم لأن الوضع هادىء، لأمضي الصيف بين عائلتي، ولبنان بلدنا، لا غنى لنا عنه مهما أمضينا عمرنا في الخارج.
الى بعلبك، هذه المدينة التي تحتضن الشمس الراخية بأشعتها على قلعتها الأثرية، عاد اليها مواطن وعائلته من المانيا لتمضية شهر واحد من الصيف، اللقاء بالعائلة كان مؤثرا جدا، فأشقاءه الذين حضروا من البقاع لاصحابه، انهالوا بتقبيله وأولاده، يسألونه عن الصغيرة التي تغيّرت معالمها على أعمامها، لانها كبرت بعض الشيء. ووسط هذا اللقاء المؤثر يقول العائد: الغربة صعبة بعيدا عن الأهل، كنت في البداية مترددا من المجيء، لكني عدت وتشجعت، اذ لا يجوز ان يمر الصيف ولا أمضي وعائلتي بعض الوقت في لبنان، وليلفت: كل من كان على متن الطائرة التي أقلتنا من المانيا هم لبنانيون، كنا نستعجل الوصول وقد وصلنا.
ومن المانيا ايضا وصلت السيدة كلوديا منصور وأولادها وحماتها لتمضية الصيف في لبنان، وحيث كان في استقبالها الكثير من دموع فرح الأهل الذين حملوا الى باقات الزهور أشواقهم، وبصوت دامع من الفرح، تقول كلوديا: جئنا لتمضية الصيف، وسبق وحجزنا للمجيء الى لبنان قبل أربعة أشهر من اليوم، والأحداث الأليمة التي شهدها لبنان، لم تثننا عن العودة، فلبنان بلدنا، ومهما حصل فيه، لا يمكننا إلا ان نأتي، فحياتنا هنا، كما عائلتنا الكبيرة التي تعد الأيام والدقائق لنلتقي ولو لشهر واحد.
عائد آخر استعجل وعائلته الخروج من مطار رفيق الحريري الدولي، فيما كان بانتظاره عدد من الأصدقاء، قال لـ (الأنوار) برغم كل ما حصل مؤخرا في لبنان الذي أحب، لم أتردد للحظة واحدة من حزم أمري والمجيء من الكويت الى لبنان، لنمضي فترة الصيف في البقاع الذي منه ننطلق في سياحة داخل الربوع اللبنانية.
وفيما يزداد عدد المستقبلين للواصلين الى مطار رفيق الحريري الدولي، مع اقتراب وصول دفعة جديدة من الطائرات الآتية من العاصمة الفرنسية التي تقل على متنها عدداً كبيراً من اللبنانيين المقيمين في فرنسا، وآخرين من القارة الاميركية الذين جاءوا الى لبنان عبر مطار شارل ديغول، تتضاعف (هيصات) الاستقبال والصراخ والبكاء فرحاً بلقاء الأحبة، تعلو هيصة غير شكل وباللهجة المصرية، اللاعب في فريق (الرياضي) لكرة السلة، بطلته العملاقة يصرخ بأعلى صوت عند رؤيته صديقيه المصريين علاء التقلي وهشام مرسي.
عناق حار وقبلات وجولات جديدة من العناق بين الاصدقاء المصريين وسط انظار الجميع، ليعلق بعدها علاء التقلي بصوت عال: لبنان أحلى بلد، احنا جايين نشوف الجمال اللبناني ونتمتع بالسايحة فيه، يضيف صديقه هشام مرسي: لم اترك بلداً الا وزرته، لكن لم أر أجمل من لبنان، لذا، نأتي دائماً لتمضية فترة تراوح بين عشرة و20 يوماً فيه، وليختم الصديقان علاء ومرسي بالقول: والله، لبنان حلو أوي، ويوافقهم اللاعب اسماعيل احمد على كلامهم بهز رأسه وابتسامة بحجم جسده العملاق.
لبنان الحقيقي
P>والى كفريا في الكورة، استعجلت الدكتورة منال شلق وافراد عائلتها والتي كان في استقبالها على ارض المطار والداها، استعجلت المغادرة بعيد وصولها من الدمام (السعودية) وهي تردد لنا: ما احلى الرجوع الى الوطن، والصيف لا يليق الا بلبنان.
هذه الصورة الحية التي حاولنا نقل بعض مشاهدها من ارض مطار رفيق الحريري الدولي، وتحديداً من قاعة الوصول، انما هي صورة لبنان الحقيقية التي سيشتد وقعها في الايام المقبلة، المتوقع فيها وصول المزيد من المصطافين العرب والخليجيين الذين ما إن تطأ أقدامهم أرض المطار حتى يعربوا بفرحة العودة الى وطنهم الثاني لبنان، بمقابل وصول اعداد كبيرة من المغتربين اللبنانيين من جهات العالم الأربع الذين اشتاقوا لأرض الوطن.