كيف أكون مواطنًا في لبنان اليوم

هناك ايجابيات وسلبيات في الواقع اللبناني لناحية الممارسة المواطنية. من ابرز الايجابيات الانفتاح الذي يتحلى به اللبناني والمعرفة والثقافة والخبرة التاريخية شعرت بذلك حين علمت في جامعة لافال في كندا لمدة شهرين. اللبناني يفوق الأجنبي انفتاحًا وخبرة تاريخية، غير ان ما يفتقر اليه اللبنانيون ومتى اكتسبوه يصبحون عباقرة هو الفكر النقدي وادراك الشأن العام

 يردد النائب غسان مخيبر قولاً وفيه ان "لبناني واحد يساوي مائة اميركي ولكن مائة لبناني لا يساوون شيئًا". معنى ذلك ان اللبناني يفتقر الى روح التضامن وادراك الشأن العام ومفهوم المصلحة العامة. هذا ما ركّز عليه شارل ديغول في خطاب ألقاه سنة 1931 في جامعة القديس يوسف في بيروت وكان ضابطًا شابًا. قال: ما ينقصكم هو التضحية في سبيل الشأن العام. ومن واجبكم يا شباب لبنان بناء دولة بعد التضحيات..."
 اضافة الى نص آخر وضعه الاب لويس جوزف لوبريه

رئيس بعثة ايرفد، وقد دعاه الرئيس فؤاد شهاب من اجل التخطيط للانماء الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. بعد ما يزيد على السنتين من العمل اصدرت البعثة سنة 1960 كتابين مهمين تحت عنوان

 Besoins et possibilités de développement du Liban.

 خلاصة الكتاب لم تكن على علاقة بالاقتصاد وما جاء فيها: "ما ينقص لبنان ليس الماء والكهرباء والطرقات بل فرق عمل تعمل في سبيل المصلحة العامة

 علينا العمل على اعداد برنامج تربوي يعزز الشأن العام. اطلقنا في "المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم" برنامج "الحكمية المحلية" حيث قمنا بزيارة أكثر من عشرين قرية في لبنان، عقدنا ندوات في سبيل مساعدة الناس على ادراك كيفية معالجة قضاياهم الحياتية المشتركة كالمياه والكهرباء والطرقات والاشجار... ذهلت من الواقع القائم. اذا ما دعيت عائلات القرية الى اجتماع تقاطعه بعض العائلات، ومتى دعت هذه العائلة الى الاجتماع تتغيب العائلات الاخرى. وفي حال لم يحظ اللقاء ببركة احد السياسيين لا يعقد. مع العلم ان هؤلاء الناس يعانون المشاكل نفسها في المياه والطرقات والكهرباء والمدرسة الرسمية والاتصالات... ومع ذلك لا يقوم احد يجمعهم في سبيل مناقشة قضاياهم الحياتية اليومية المشتركة. بعد ثلاث سنوات من الجهد احرزنا تقدمًا. قيل لنا في بلديات عدة: انتم اول من قام بجمعنا

ما العمل؟

 فكر شموليًا واعمل محليًا. اعتدنا على التفكير بالامة والدستور والنظام، ولم نبحث في القضايا الصغرى او تلك التي تبدو صغيرة. ان التعامل بجدية مع كافة الامور التي تحوطنا، في الحي وفي المبنى، في شوارعنا وقرانا، يساعد على التعامل بجدية اكبر مع الاستقلال والسيادة، ذلك ان السلوكيات الاساسية تنمو على المستويات الدنيا اي على مستوى الميكرو، في البيت وفي المدرسة.
 وغالبية السياسات العامة التي تنبع من السلطة المركزية لا تطبق، لانها تصطدم بالبنيات التحتية في القرية وفي الحي وفي التجمّعات الصغيرة. لم يهتم علماء السياسة وعلماء الاجتماع في الدول العربية بمستوى الميكرو. يمكن تحقيق تحول في لبنان في فترة قصيرة نسبيًا. لبنان ليس الولايات المتحدة الاميركية ولا استراليا في مساحته. يكفي انشاء عشرين لجنة من لجان الاحياء في بيروت حتى تتغير المدينة كلها خلال ثلاث سنوات