الفنان الراحل منصور الرحباني : للحرية والمجد

إذا ذكر الفن العربي الراقي، كانت مدرسة الرحابنة شعار الرقي والجمال في غنائنا، مع الرحابنة هبطت الموسيقا من علياء الروح لتجوب الضياع والهضاب، تقبل خدود الريفيات ببراءة وطهر، وتضرب موعداً عشقياً مع الوطن أو الحبيب... غنوا للحب فكان الحب عالماً مختلفاً لا يشبه العوالم الأخرى، وغنوا للأرض وجبل الشيخ وجبال الصوان وبيروت ودمشق، فكانت أغانيهم أناشيد البطولة التي لا يمل الإنسان سماعها في كل لحظة من الزمن، أبدعوا في المسرح، فكانت مشكلات الإنسان والوطن والوجود قضاياهم التي قدموها بجمال لا يعدل له جمال، فصار الحوار أغنية، والأغنية صارت حواراً ولا أبداع.

كلمات وألحان طبعت إلى الابد في ذاكرة العرب أجمعين، يحملها صوت فيروز ليصدح في هياكل بعلبك ومهابة أرز لبنان إلى طراف الدني كطير الحب يحكي للحبايب شو بني، ممهورة بتوقيع رجلين اسمهما كفيل بسرد قصة كلماتها ألحان وقواعدها نغمات وحبكتها ثقافة وابداع.
انهما الاخوان رحباني. فلم يذكر اسم اي منهما الا بعد وفاة عاصي عام ١٩٨٦. وها عاصي ومنصور عادا ليجتمعا مجددا بعد انفصال دام اثنين وعشرين عاما وليلتأم شمل الشقيقين العملاقين بعدما فجع لبنان صباح الثلاثاء بوفاة ثاني الكبيرين، منصور، عن خمسة وثمانين عاما بعد معاناة مع المرض.
كتب ولحن للبنان، وبغداد وفلسطين. فمن ينسى زهرة المدائن خصوصا في مثل هذه الايام؟، وسنرجع يوما الى حيّنا؟. كتب الاخوان للحب والانسان ورحل البارحة العالم الثاني من عظماء لبنان تاركا وراءه ارثا عظيما من الاغاني والمسرحيات والمؤلفات.

وبكلمتين لمنصور نقول، لكل ما عشته من تجارب، و ما قدمته للوطن الذي دائماً أحببت و تغنيت بكل أيامه الرمادية، لكل دمعةٍ ذرفتها وكل إبتسامة، تستاهل الخلود هنا، على الأرض، في لبنان.أما وقد أصبحت في جنان الله، فلك كل الخلود، تلعب موسيقاك و تطرب كل من يصلي و يرنم على ألحانك ، بيدٍ تكتب أحاسيسك وبالأخرى ترعى وتهدي لبنان.

رحمك الله و عوض على لبنان.