المحافظة على الأراضي اللبنانية وأحقية اللبنانيين بها

نادر فوز - يعتمد نواب ومسؤولون مسيحيون منذ ما قبل الحرب الأهلية خطاب التخويف من الوجود الفلسطيني الذي يريد بناء دولته الخاصة في لبنان. ومنذ مطلع عهود حقبة الرئيس رفيق الحريري، عادت التحذيرات منبّهة من إفراغ الأراضي اللبنانية من سكانها وبيعها من مستثمرين أو مواطنين عرب، بتسهيل من الحكومات المتعاقبة.

وزّعت مجالس الوزراء، خلال الفترة الممتدة من عام 1995 حتى حكومة الرئيس السنيورة السابقة (التي فجّرت أزمة 7 أيار)، تراخيص امتلاك الأراضي بطريقة عفوية دون اتّباع نصوص القوانين اللبنانية. لم تحترم هذه الحكومات العديد من المواد المذكورة في هذا القانون، سواء، أوّلاً من حيث المساحة المسموح ببيعها من أجانب، وينص القانون اللبناني وفق المادة السابعة: «لا يجوز أن يتجاوز ما يملكه الأشخاص الطبيعيون والأشخاص المعنويون غير اللبنانيين... في جميع الأراضي اللبنانية ثلاثة في المئة من مجموع مساحتها، على أن لا تتعدى الثلاثة في المئة في كل قضاء من مجموع مساحته، ولا تتعدى في محافظة بيروت العشرة في المئة من مجموع مساحتها»، تشير أكثر من دراسة إلى أنّ أكثر من 12% من الأراضي اللبنانية مملوكة لمواطنين خليجيين، وأنّ أكثر من 20% من مساحة العاصمة باتت مملوكة من غير اللبنانيين (هذه الأرقام غير رسمية، وقد قدّرها المحامي نسيم بو سمرا في دراسة أعدها عن «مشروع تمليك الأجانب في لبنان»).
وثانياً، من خلال شبه التخلّي عن مبدأ المعاملة بالمثل، وهو ما يحصل في كل الدول المجاورة، ومن خلال عدم تشجيع اللبنانيين على شراء الأراضي ومساواتهم بالأجانب. ففي عام 2001، عدّلت حكومة الرئيس الحريري القانون 59/66 بعنوان «اكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان»، فجرى خفض رسوم تسجيل العقارات المشتراة من جانب الأجانب من 17% إلى 5% (أي تشجيع الأجانب على شراء الأراضي والعقارات، ومساواتهم باللبنانيين الذين يدفعون 5% لتسجيل ممتلكاتهم المشتراة)، كما عدّل القانون بحيث ألغي إعفاء المواطن اللبناني من تسديد هذه الـ5% عند شرائه عقارات من أجانب.

ثمة تجاوزات غير محدودة تغاضت عنها الحكومات المتعاقبة في عهود الحريري، أوصلت الحال إلى ما هي عليه في مجال تملّك الأجانب للأراضي اللبنانية. حتى إن هذه التجاوزات استمرّت إلى العام الماضي، إذ قدّمت حكومة السنيورة أكثر من 600 ترخيص لتمّلك أجانب في أيامها، دون أن تراعي القانون اللبناني. ويشير مطّلعون إلى أنّ هذه الحكومة استمرّت في منح التراخيص حتى أيامها الأخيرة، مما يفتح الباب أيضاً على تحميل المسؤولية لوزراء المعارضة (حينها) الذين انسحبوا من الحكومة وتركوها تعمل بلا حسيب أو رقيب.
تستمرّ هذه الاحتجاجات على أداء الحكومة، ومعها على «المساحات» التي يفقدها اللبنانيون. يتقدم عشرة نواب من تكتل التغيير والإصلاح، خلال الأسبوع المقبل، باقتراح قانون باسم «تملّك غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان»، لتنظيم تملّك الأجانب في لبنان. والنواب هم: ميشال عون، إبراهيم كنعان، نبيل نقولا، شامل موزايا، وليد خوري، كميل خوري، آغوب بقرادونيان، نعمة الله أبي نصر، يوسف الخليل وعباس هاشم.

عمل فريق نيابي من التغيير والإصلاح على تحديد نقاط ضعف القانون الحالي، من منطلق المحافظة على الأراضي اللبنانية وأحقية اللبنانيين بها. فوضعوا مجموعة من المبادئ العامة الغائبة عن القانون الحالي والأسباب الموجبة لتقديم مشروع القانون. وتأتي نقاط الضعف وفق ما يأتي:
1ــــ عدم اعتبار أن القاعدة هي «أرض لبنان للبنانيين» وأن تملك الأجنبي هو الاستثناء، مما أباح هذا التملك بسهولة وسرعة.
2ــــ عدم النص على مبدأ المعاملة بالمثل: المعمول به في كل البلدان.
3ــــ عدم النص على منع التملك في مناطق الحدود.
4ــــ عدم وجود سقف لتملك الشخص الأجنبي الواحد ، مما سمح لبعض الأشخاص بتملك مئات آلاف الأمتار المربعة لكل منهم، دون أية جدوى اقتصادية أو منفعة عامة.
5ــــ عدم مراقبة تملك الأجنبي، ومدى توافق هذا التملك مع المصالح العليا للبلاد، وبالأخص مصالح الأمن والاستقرار فيها.
6ــــ عدم وضع غايات محددة للتملك، الهدف منها النفع العام والمصلحة الوطنية العليا.
7ــــ عدم الحفاظ على حقوق الخزينة، بخفض الرسم من 17.2 % إلى 5.65 % ، وخفض ضارب القيمة التأجيرية في العقارات المبنية من 20 مرة إلى 12.5 مرة.
8ــــ عدم إعفاء اللبناني من رسم التسجيل عند شرائه عقاراً من أجنبي.

ويشير القانون إلى أن مجموعة من آليات الضبط المعتمدة في القانون الحالي، «هي ضعيفة إلى حد سهّل التهرب من أحكامها، ثم أوصل في ما بعد إلى تجميدها كلياً، وانتفاء الغاية من إقرارها»، ومنها :
1ــــ عدم تطبيق أحكام المادة /7/ لجهة نشر بيانات التملك في الجريدة الرسمية كل ستة أشهر.
2ــــ عدم تطبيق أحكام المادة /11/ لجهة بيع عقار الأجنبي بالمزاد العلني، بعد مرور المهلة القانونية على شرائه، دون تنفيذ الغاية من الشراء.
3ــــ عدم فرض مبدأ مسح العقارات مسحاً نهائياً، عند بيعها من أجنبي.
4ــــ عدم تطبيق العقوبات الواردة في المادة /16/ لجهة معاقبة المخالفين.
5ــــ عدم تطبيق العقوبات الواردة في المادة /16/ لجهة معاقبة الأشخاص المستعارين.
ويبدي النائب إبراهيم كنعان، أحد العرّابين الأساسيين لهذا القانون، خشيته «من العجز الإرادي الموجود عند الطبقة السياسية التي تتحدث عن الإصلاح والتغيير وهي خائفة وغير جاهزة لهما»، مشيراً إلى أنّ مصالح هذه الطبقة ستكون من الضوابط الأساسية لعدم القبول به. لا يُخفي كنعان أن طريق هذا القانون صعب، ويعتقد أن تيار المستقبل سيرى نفسه مستهدفاً «إذا انطلق من مفهوم المحافظة على مصالحه، وذلك بناءً على التجربة في موضوع القوانين».
يستعير كنعان من الرئيس نبيه بري عبارة «التشريع في زمن الانتخابات»، مشيراً إلى إمكان تحويل فترة التحضير للانتخابات من مناسبة لإطلاق الشعارات إلى «مناسبة لتحقيق أمور ومشاريع فيها إفادة للمواطنين والمجتمع». ويذكر كنعان موافقة الأكثرية على قانون سلسلة الرتب والرواتب تحت ضغط اقتراب موعد الانتخابات. ويلفت إلى أنّ هذا القانون يهدف إلى «سدّ الثغر وتلافي النواقص وخلق آليات ضبط دقيقة ومفصلة وواضحة، يصعب تجاوزها والالتفاف عليها لتجميد مفعولها»، مؤكداً أن المساحات التي ينصّ عليها القانون المقترح كافية للأجنبي الراغب في التملك من أجل البناء لسكنه وأو لاستعماله الشخصي. ويشدد على أنّ وضع إطار قانوني لقاعدة تملك الأجانب، طبيعيين أو معنويين، لن يؤثر في قاعدة استقطاب الاستثمار الأجنبي، وتشجيع المستثمرين الأجانب «التي يمكن تبنّيها من خلال استثناءات خاصة نص عليها الاقتراح، تسمح للشركات، والجمعيات، بتملك مساحات تصل في حالة الشركات حتى 50.000 م.م ، وفي حالة الجمعيات حتى 15000 م.م.». الأمر الذي يؤمّن التوازن بين المصلحة الوطنية والمصالح الخاصة، وتوفير فرص العمل للبنانيين من جهة، وضمان مصلحة الاستثمار الأجنبي والمستثمرين الأجانب من جهة ثانية، هذه المصالح التي تبدو، خارج إطار القوننة والتنظيم، متعارضة وغير متعايشة أحياناً.

مواد إصلاحية للضبط

يلحظ اقتراح القانون المعنون باسم «اقتراح قانون تملّك غير اللبنانيين ــــ الحقوق العينية العقارية في لبنان»، مجموعة من الأمور لم يتضمّنها القانون الحالي، ويعدّل أخرى أغفلتها الحكومة في ممارساتها.
في البند الأول من المادة السابعة من القانون المقترح، يخفض «الإصلاحيون» المساحة التي يمكن الأجنبي أن يمتلكها إلى ألف متر مربّع بناء، على أن لا تزيد المساحة التي يمتلكها الشخص الواحد على 2000 متر مربّع في جميع الأراضي اللبنانية، منها 1000 م.م. في محافظة بيروت. كما حدّد هذا المشروع المساحة العقارية الخاصة بالشركات الأجنبية بأنها يجب ألّا تزيد على 50 ألف م. م. في جميع الأراضي اللبنانية منها 5000 م. م. في محافظة بيروت.
فيما يجيز القانون الحالي تملّك الأفراد ثلاثة آلاف م. م. من العقارات المبنيّة أو المخصصة للبناء دون نيل ترخيص، كما لا يحدّد المساحة المسموح بها للشركات.
ويشير النصّان (المادة 12 من القانون المقدّم، والفقرة الثانية من المادة 8 من القانون الحالي) إلى أنه «يعتبر بمفهوم هذا القانون، الأزواج والزوجات والأولاد القاصرون بحكم الشخص الواحد».
ويمنع القانون في المادة الثامنة منه، «الأشخاص غير اللبنانيين، طبيعيين كانوا أو معنويين، من أن يمتلكوا أي حق من الحقوق العينية العقارية في مناطق الحدود وفي جوار الوزارات والمؤسسات العامة والمراكز العسكرية». ورأى أن «مناطق الحدود»، هي كل المساحات الواقعة ضمن خط شعاعي طوله عشرة كيلومترات من حدود الجمهورية، وثلاثة كيلومترات من موقع الوزارات وباقي مؤسسات الدولة والمراكز العسكرية والأمنية.

ويشير إلى ضرورة استعادة الحكومة كل ما يمتلكه غير لبنانيين في هذه المناطق «وفقاً للقواعد المقررة في قانون الاستملاك، سواء لجهة طريقة التخمين أو لجهة طريقة الاسترداد».
ويشدّد القانون المقترح في الفقرة «ب» من المادة التاسعة، على «أما الشخص المعنوي غير اللبناني فلا يجوز الترخيص له بتملك حق عيني عقاري على مساحة تزيد على 5000 م.م في جميع الأراضي اللبنانية، منها 2000 م.م. في محافظة بيروت».
فيما لم يحدد القانون الحالي المساحة المسموح بأن يمتلكها الأشخاص المعنويون غير اللبنانيين.

تلزم المادة 11 من القانون المدروس، مديرية الشؤون العقارية بنشر بيانات التملك كل ستة أشهر في الجريدة الرسمية وصحيفتين محليّتين، على أن تتضمّن هذه البيانات «مجموع المساحات التي جرى تملّكها خلال الستة الأشهر المنصرمة، والمجموع العام للمساحات المملوكة سابقاً ولغاية نشر البيانات وإثبات نسبها، قياساً على النسبة المسموح بتملّكها قانوناً».
أما المادة 13 من مشروع القانون الجديد، فحدّدت الأوراق التي على طالب الترخيص أن يوفّرها عند تقديم الطلب، وهي عبارة عن خمس إفادات مختلفة وخرائط، إضافةً إلى شروط وإفادات خاصة بالشركات.

وتمنع المادة 17 الأجنبي من «بيع الحق الذي يملكه بموجب هذا القانون، أو بموجب قوانين سابقة، قبل خمس سنوات على تملكه إياه، وبعد أن يكون قد نفّذ الغاية التي على أساسها منح الترخيص بتملكه.
وعلى أمين السجل العقاري أن يدوّن على صحيفة العقار وسند ملكيته إشارة بهذا المنع»، وهو شرط يحدّ من الفوضى الأجنبية لشراء الأراضي، ولم يذكره القانون المعمول به.
وفيما لم يأتِ القانون المذكور على ذكر خصوصية تملّك البعثات الدبلوماسية والقنصلية، والمؤسسات والجمعيات العلمية أو الثقافية أو الخيرية، أفرد مشروع القانون المقترح فصلاً خاصاً به، وحدد مجموعة من الشروط أهمها: أولاً أن يكون تملك هذا الحق ضرورياً لتحقيق أغراضها، وثانياً أن لا تتعدى المساحة القصوى المرخص بتملكها في جميع الأراضي اللبنانية 7500 م.م منها 2500 م.م في محافظة بيروت للبعثات الدبلوماسية والقنصلية و15000 م.م للمؤسسات والجمعيات العلمية أو الثقافية أو الخيرية، منها 4000 م.م في محافظة بيروت، وأخيراً أن تنفذ مشروعها خلال المهلة القانونية تحت طائلة تطبيق أحكام المادة السادسة عشرة من هذا القانون.
كما تعطي الأفراد اللبنانيين من مالكي الأراضي في المنطقة العقارية ذاتها للعقار المبيع، حق الأفضلية بالشراء على الشارين غير اللبنانيين.
المادة 25 تعفي اللبناني من رسوم التسجيل إن هو اشترى حقاً عقارياً من غير لبناني. وتنصّ المادة 24 على إنشاء لجنة للنظر في طلبات الترخيص وإعطاء الرأي فيها.
وتتألّف اللجنة من رئيس محكمة البداية الناظرة في القضايا العقارية والقاضي العقاري التابعة لهما منطقة العقار ومدير الشؤون الجغرافية في الجيش وأحد معاونيه من رتبة نقيب وما فوق، ورئيس مركز الأمن العام في القضاء التابع له العقار المبيع وأمين السجل العقاري في منطقة العقار.