...ما لم تعلمه من قبلا

 

 

"هوّارة" بنظرنا هي لفظة لبنانيّة أصيلة تعبّر عن تراثنا و تقاليدنا لكن الحقيقة تشير الى ان "هوّارة" هي كلمة وافدة من تركيا وتعني صنفًاً من العسكر العثماني مهمتهم الاستطلاع. انّها واحدة من الكلمات العاميّة التي تعتبر بمثابة سجلّ يحتفظ بآثار الغزوات و الهجرات و النزوح و قوافل التجّار. من هذا المنطلق يمكن اعتبار لهجتنا المحليّة من أغنى اللهجات بالالفاظ الغريبة لانّ معظم جيوش العالم عرّجت على أرضنا...
عندما نلعب "بارتيّة" ورق لا يخطر ببالنا ان الكلمة هي partita الايطاليّة و عند تسابقنا على قول "بسترينتي عليك" لا نفقه انّ اللفظة ايطاليّة أيضاً strenate و تعني هديّة العيد. حكايتنا مع الايطاليّة لا تنتهي هنا فكلمة "تيرسو" التي نعني بها الرديء هي في الايطاليّة أيضاًterso و تعني الدرجة الثالثة .امّا البعد الثقافي للكنتنا الايطالية فيتمثل ب"فنكلوزة" الصفة التي نوجّهها عادة للمرأة المفذلكة دون أن نعلم أن فنكلوزة هي شخصيّة متكلّفة من المسرح الايطالي في القرن السابع عشر.
يضاف الى كلّ ما سبق تشكيلة يونانيّة متمثّلة ب "الدرابزين" اي trapezion و أثير أي ethier و هو هواء أعلى طبقات الجوّ بالاضافة الى نكهة اسبانيّة مع البطاطا وهي botato اي النبات الذي له جذور و "هردبشت" الآراميّة اي المبهدل و أخيراً "وَرّ" العبرانيّة أي رمى .
....ونعود إلى قاموس الأتراك. فلا بد لمن أمضىى اربعة قرون على أرضنا ان يكون له الاثر الأبلغ على اللغة، فمعظم الكلمات العاميّة يبدو أن أصلها تركيّ : طرد، تيته، خواجه، بيك، انجلق، كلبشة، لمبة، وجدان.. هي كلمات حافظنا عليها لفظًا و معنى و ما زالت مستخدمة في أحاديثنا اليوميّة.
أما بلاد الجبنة التي مكثت عندنا سنوات طوال أيضاً فتركت لنا بعد الرحيل أيضاً ارثًاً اندمج مع لهجتنا العاميّة. فكلمة "بزمة" تحريف التعبير الفرنسي pas un mot "ولا بزمة" اي ولا كلمة. "ولا دومري" ولا demeurant للدلالة على عدم وجود أحد في مكان ما....إنها كلمات حافظت على معناها لكن لفظها أضحى "عاللبناني".
كلماتٌ أخرى ألبسناها معاني لا تمتّ الى أصلها بصلة. فنستعمل بشكل عفوي و يوميّ كلمة "ولك" و لو علمنا أنّ كلمة ولك الفارسيّة الاصل تعني جاهل أو أحمق لما كناّ استهلّينا بها معظم عباراتنا.
و الكلمة الأكثر إنحرافًا ربما عن معناها الحقيقي هي "طزّ" أو tuz بالتركيّة وهو الملح و قصّة ال "طزّ" هي التالية :
يروى انّ الحكومة العثمانيّة فرضت ضرائب على جميع البضائع باستثناء الملح، فكان التجار لدى مرورهم على حواجزالمفتشين يقولون لهم "طزّ" اي لا يوجد معنا سوى الملح. و هكذا تحوّل استخدام الكلمة الى السخرية و الاستهزاء.

من ِAkhbarelnasher.com