خفض سن الاقتراع

تنص المادة ٢١ من الدستور اللبناني على أن لكل وطني لبناني بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة كاملة الحق في أن يكون ناخباً على أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة بمقتضى قانون الانتخاب.

وهذا يعني أنه لا يحق للمواطن اللبناني الذي يتمتع بكافة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية أن يقترع ويشارك بالعملية الانتخابية إذا لم يكن قد أتم الواحدة والعشرين من عمره على الرغم من أن حق الانتخاب هو من الحقوق السياسية الاساسية المضمونة بموجب المواثيق الدولية ودساتير الدول وقوانينها.

إنطلاقاً من هذا المبدأ، جرت العديد من المحاولات لخفض سن الاقتراع القانونية من ٢١ إلى ١٨ سنة ولعل ابرزها كانت في إطار الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي بقيادة "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية"، "المركز اللبناني للدراسات" و "الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات" وبمشاركة أكثر من ٥٨ جمعية مدنية من مختلف المناطق والآنتماءات والأهداف وهي تعمل باستقلالية تامة عن كافة الجهات السياسية، ومن بينها جمعية بلدتي. وكانت الحملة قد حددت من بين اهدافها العمل على توليد وتطوير رأي عام شعبي ضاغط يهدف إلى إقرار قانون عادل وديمقراطي وإلى دعم الإصلاحات التي وضعتها "الهيئة الوطنية الخاصة بإعداد قانون الانتخاب" برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس.

إلا أن القانون النهائي صدر عن مجلس النواب آخذاً بعين الاعتبار عدداً من الإصلاحات الأساسية والمهمة جداً كإجراء الانتخابات في يومٍ واحد في كل لبنان بعد أن كانت تمتد على فترة ٤ آحاد، بالإضافة إلى إنشاء هيئة خاصة لمراقبة وتنظيم العملية الانتخابية و تنظيم الإعلام والإعلان الانتخابين، ولكنه أيضاً لم يأخذ بعين الاعتبار بعض المطالب و الأفكار الجامعة بعين الاعتبار كمثلاً خفض سن الاقتراع إلى ١٨ سنة وإقرار الكوتا النسائية والسماح للدياسبورا اللبنانية بالمشاركة والانتخاب خارج الأراضي اللبنانية...

ونظراً لإقتراب يوم الإنتخابات الحاسم، نلاحظ اليوم عدداً من الإقتراحات ومشاريع القوانين المتعلقة بالإنتخابات وبإصلاح قانون الإنتخاب الأخير الصادر عن البرلمان ومنها فصل النيابة عن الوزارة وخفض سن الإقتراع من ٢١ إلى ١٨ سنة.

وفي اطار الفكرة الأخيرة، قدّم النائب حسن فضل الله في التاسع والعشرين من الشهر الماضي إقتراح قانون دستوري يرمي إلى تعديل المادة ٢١ من الدستور بهدف خفض سن الإقتراع من ٢١ عاماً إلى ١٨ عاما بعض أن وقع عليه ١٠ نواب بحسب الأصول القانونية اللازمة لتعديل الدستور.

ولماذا لا تكون هذه النتيجة؟

فإن هؤلاء الشباب من هذه السن، وهم فئة طلاب الجامعات، مسؤولين امام القانون وان يتاح لهم الانخراط في الوظيفة العامة وفي سلك الاجهزة العسكرية وان يدافعوا عن الوطن ويضحوا في سبيله ويبذلوا دمهم من خلال انتسابهم الى الجيش اللبناني وقوى الامن او الى بقية الاجهزة العسكرية، ومن ثم يُحرمون من حقهم الطبيعي في ان يشاركوا في تحديد مستقبل بلدهم؟

وبالنسبة لآلية تعديل المادة ٢١ من الدستور، و في المبدأ، فإن إقتراح قانون التعديل يصدر عن ١٠ نواب من المجلس النيابي ومن ثم يصوت عليه بأكثرية ثلثين الأعضاء الذين يؤلفون مجلس النواب قانوناً، ومن ثم يرسل إلى  الحكومة لتصوت عليه بأكثرية الثلثين من الوزراء المؤلفين لمجلس الوزراء قانوناً لتضع مشروع قانون فيه ومن ثم ترسله إلى مجلس النواب من جديد ليصوت عليه بنفس الأكثرية.

و من هنا عبّر النائب حسن فضل الله في ما يتعلق بالمهلة المعطاة للتعديل الدستوري أنه "يمكن أن يقر هذا الإقتراح في أول جلسة تشريعية لمجلس النواب، على أن يرسل للحكومة وفي يوم واحد. ونحن نعلم أن التعديل الدستوري في مراحل سابقة كان يأخذ يوما فقط من أجل إنجاز التعديل. ويمكن أن يصوت عليه المجلس النيابي، ثم تصوت عليه الحكومة في جلسة تعقدها مباشرة بعد جلسة المجلس النيابي ثم يعاد إلى المجلس ولا تأخذ العملية أكثر من أسبوع واحد".

وبالتالي وبما إن الإرادة موجودة، والمسار القانوني والدستوري سالك بمهلة زمنية ممكن ألا تتعدى الأسبوع، فإن أي كلام عن التأخير أو التأجيل هو فقط بهدف العرقلة و التشتيت وعطف مصير هذا الاقتراح على مصير الاقتراحات السابقة المتناولة نفس الموضوع.

و طالما أن كل قانون يجب أن يكون مرفقاً بأسباب موجبة تفسر وتبرر إقتراح هذا القانون، كيف بالنسبة لتعديل دستوري مهم كالذي نتناوله؟

لذلك جاء في "الاسباب الموجبة" لاقتراح خفض سن الاقتراع الى ١٨ عاماً:

"حيث ان حق الانتخاب هو من الحقوق السياسية الاساسية المضمونة بموجب المواثيق الدولية ودساتير الدول وقوانينها. ولان نص المادة ٢١ المطلوب تعديله يحرم المواطنين اللبنانيين الذين هم في سن تراوح بين الثامنة عشرة والحادية والعشرين من ممارسة هذا الحق. وبما انه يترتب على هذا الحرمان جملة من المسائل على المستوى الحقوقي والسياسي والاجتماعي، اهمها:

أ ـ على المستوى الحقوقي:

 حيث ان القانون اللبناني يعتبر ان الاهلية المدنية للشخص تكتمل ببلوغه ثمانية عشر عاما من العمر، فيصبح اهلا لاكتساب الحقوق واداء الواجبات كما انه يصبح مسؤولا مسؤولية كاملة عن اعماله وتصرفاته من الناحيتين المدنية والجزائية. ولانه مع ذلك يبقى محروما من حق الانتخاب حتى بلوغه الحادية والعشرين من عمره، وبما ان الاهلية القانونية هي كل لا يتجزأ، اذ لا يمكن ان يكون المرء في الوقت عينه مكتمل الاهلية المدنية، وناقص الاهلية السياسية. وحيث ان الانسان البالغ ثماني عشرة سنة يمكنه ان يشارك في الحياة السياسية الحزبية والنقابية ويتطوع في الاسلاك العسكرية كما يتولى الوظائف الادارية. وبما انه لا يستقيم مع المنطق القانوني والحقوقي ان يكون المرء مسؤولا مسؤولية كاملة في تحمل كل واجبات المواطنة الا انه غير متمتع بحق اختيار من يمثله في السلطة التشريعية. ولانه لا يصح ان يكون المرء اهلاًَ للانخراط في الاسلاك العسكرية ويتحمل مسؤولية الدفاع عن الوطن والشعب والتضحية بروحه في سبيلهما، ويكون اهلاً لتولي الوظيفة العامة، وفي الوقت عينه لا يكون اهلاً لانتخاب من يمثله في المجلس النيابي. وحيث ان المادة ٢١ المطلوب تعديلها حددت اهلية خاصة للناخب متميزة عن الاهلية المدنية، وورد النص في الدستور على تحديد من الناخب، ولم يرد نص مماثل يحدد سن المرشح. وهذه الاشكالية تجعل من الممكن نظريا على الاقل تعديل سن الترشيح للانتخابات العامة وخفض هذه السن الى ثمانية عشر عاما من خلال تعديل قانون الانتخاب، فيما يبقى سن الناخب احدى وعشرين سنة كما نص عليه الدستور وهذا ايضا لا يستقيم مع المنطق الدستوري والحقوقي السليم. وبما ان سن الانتخاب خفضت الى ثماني عشرة سنة في معظم دول العالم المتقدم ونذكر منها بريطانيا (منذ ١٩٧٠) وفرنسا (منذ ١٩٧٤) وايطاليا والمانيا واسبانيا وسويسرا وكذلك في معظم الدول العربية: مصر، الاردن سوريا... كما ان هناك اتجاهاً حتى لخفضها الى ما دون هذه السن. وحيث ان الاصلاحات التي نص عليها مشروع اللجنة التي شكلتها الحكومة برئاسة الاستاذ فؤاد بطرس تضمنت اعتماد سن ١٨ للاقتراع في الانتخابات النيابية. وبما ان عددا كبيرا من الزملاء النواب سبق ان قدم اقتراح قانون وعريضة نيابية تطالب باعتماد سن ١٨ للاقتراع. اننا بناء على هذه الحيثيات القانونية نرى انه لم يعد من الجائز حرمان هذه الفئة من شباب لبنان من حقها في المشاركة في اختيار ممثليها في المجلس النيابي.

ب ـ على المستوى الاجتماعي السياسي:

 حيث ان فئة الشباب تمثل شريحة اساسية من المجتمع اللبناني وهي لا تزال محرومة من التعبير عن ذاتها وعن خياراتها السياسية وامانيها وآمالها في الاشتراك ببناء الحياة السياسية.

ولان ذلك يعني حرمان المجتمع السياسي اللبناني من طاقات وروح الشباب في الفئة العمرية بين ١٨ و٢١ سنة وهي في اغلبها فئة طلاب الجامعات. وبما ان تغييب هذه الشريحة من المواطنين وحرمانهم من حقوقهم السياسية، يدفعهم الى الاحساس بالتهميش والاقصاء بما يحد من اندفاعاتهم الوطنية لخدمة بلدهم، ويشجع روح اللامبالاة بمصير الوطن عندهم. وحيث ان هذه الفئة المحرومة من ممارسة حق الانتخاب هي مكون أساسي في القوى السياسية والحزبية في لبنان، وأن إستمرار تغييبها عن المشاركة في الحياة السياسية من خلال ممارسة حق الانتخاب ربما يدفع نسبة من أفرادها الى التفكير بالتعبير عن وجودها بوسائل أخرى قد لا تكون في مصلحة الوطن والدولة. وحيث أن التزايد الديموغرافي يدخل كل سنة تباعا في قوائم الناخبين، وانه حسب النظام المعمول به حالا، تدخل الفئة العمرية بين سن ١٨ و ٢١ في قوائم الناخبين بعد أربع سنوات، وما يحصل هو تأخير مشاركتها ليس إلا. وبما أن حماية التمثيل الصحيح لكل مكونات الشعب اللبناني يؤمنها النظام الانتخابي وحجم الدائرة الانتخابية، وليس حرمان فئة شبابية حيوية من حقها في الاقتراع. اننا وبناء على هذه الحيثيات السياسية والاجتماعية نرى ان الاستمرار في حرمان فئة اساسية من شباب لبنان من حقوقها في المشاركة له انعكاسات سلبية كبيرة على دور الشباب في بناء مستقبل لبنان. كل هذه الاسباب تدعونا للتقدم باقتراح التعديل هذا آملين الموافقة عليه".

 

               http://www.baldati.com/forums/thread.php?tid=140                                                                      

شادي الطحان

chadi.altahane@baldati.com