
شارع الحمراء يخسر آخر معالمه الثقافية
مقهى "كافي دو باري" ربما كان الاشارة الاخيرة على ماض جميل عاشته المدينة بيروت، فهذا المقهى جزء أو ركن مهم من الاماكن التي ازدهرت في شارع الحمراء، ازدهار الثقافة وتنوعها، اذ كان يأوي اليه والى المقاهي الاخرى، في الشارع نفسه، اغلب كتاب وادباء لبنان والعرب والعالم احيانا، ودامت هذه الحركة فترة طويلة حتى في ايام الاحداث والحرب، استمرت هذه المقاهي بجذب المثقفين على اختلاف مشاربهم.. ولكن في فترة السلم الاهلي اقفلت هذه المقاهي، وتحديدا في شارع الحمراء، فمقهى "المودكا" الذي كان بمنزلة الهدف والمرمى للمثقفين والشعراء والكتاب، اقفل بسبب تجاري بحت وهو اليوم في حلة مختلفة تماما وحلت مكانه مساحة هائلة لبيع الثياب الفخمة، كذلك مقهى "الويمبي" المجاور للمودكا فهو ايضا سبق المودكا الى التحول نفسه وصار "بوتيكا" فخما.
اما "كافي دو باري" فبقى حتى الامس صامدا وبات الوحيد في شارع الحمراء الذي يجسد صورة الماضي الثقافي رغم ولادة مقاهٍ اخرى في الشارع نفسه مثل "الكوستا" أو "اللنياس" و"الاكسبرس" وسواها. الا ان "كافي دو باري" كان بمنزلة الصورة الاصيلة للماضي العريق.
اليوم اقفل "كافي دو باري" ويستعد اصحابه الى تحويله الى مكان آخر للعمل، ولم تعرف بعد هوية أو نوعية ما سيولد مكانه.
وبإقفال هذا المقهى، تفقد بيروت وشارع الحمراء المعلم الذي كان حتى الامس مركز استقطاب للمثقفين وتاليا، تشرّد كل مثقف الى حيث لا يريد، ولكن هذا التشرد زاد من قلق وهموم البعض الذين تعودا على مقهى كان بمنزلة بيتهم الاول.
الشاعر عصام العبدالله كان من رواد هذا المقهى، وانطبع اسمه باسمه، وفجأة يخرج الشاعر من مكانه ويشعر بانه مطرود ويقول: "كان المقهى مساحة حضور جميلة لنا، وفجأة خسرنا هذه المساحة، انه معلم اساسي في معالم المدينة ولا يمكن الخروج من شعور فوار احدثه هذا المقهى في ايامنا (..) المقهى ليس مكانا للجلوس والتحادث فقط، انه مساحة التقاء الثقافة والاعلام والثقافة المتنورة، بغياب هذا الركن تختفي هذه المعالم الضرورية وتاليا، تخسر المدينة كل ما كان ينبض في هذا المقهى. انه نبض الحياة وحيوتها. كان المقهى المقفل كسواه من المقاهي، يمثل حقيقة ثقافية ثابتة يتعرف اليها الناس بمجرد مرورهم من امامها، واليوم تغيب هذه الصورة وتختفي، فهل يجوز ان نخسر اكثر مما خسرنا؟".