الانتخابات البلديّة: وزارة الداخليّة تحت المجهر

الانتخابات البلديّة: وزارة الداخليّة تحت المجهر

 

مهى زراقط
تتواصل القراءات السياسية للاستحقاق الانتخابي البلدي الذي شهده لبنان طيلة شهر أيار الفائت. وفيما يبدو مفهوماً التناقض الحاصل في الاستنتاجات السياسية بين الأطراف المختلفين، تبرز الانتقادات الموجهة إلى وزارة الداخلية، بين من يرفض حيادها في محطات يفترض فيها أخذ القرار ومن يتهمها بتراجع الشفافية.
ولا يتردّد مدير مكتب الإحصاء والتوثيق كمال فغالي في القول: «لقد سجّلت وزارة الداخلية تراجعاً في أدائها لناحية شفافية العملية الانتخابية، من خلال امتناعها عن نشر أيّ رقم يتعلق بنتائج الانتخابات أو بنسب الاقتراع في الدوائر، مكتفية بإعلان نسب الاقتراع في المحافظة، من دون تحديد ما إذا كانت للبلدية أو الاختيارية، وهي التي كانت قد برهنت عن جرأة في انتخابات 2009 ونشرت نتائج الانتخابات بحسب كلّ قلم، مباشرة بعد العملية الانتخابية».
ورأى فغالي، خلال ندوة نظّمها المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، أمس، وشارك فيها الزميل غسان سعود والمحلّلة في مجموعة الأزمات الدولية سحر الأطرش، أن «حجّة الوزارة انتظار البتّ بالطعون لنشر النتائج غير منطقية، وتتناقض أصلاً مع القانون، إذ نصّت المادة 97 من قانون انتخاب أعضاء المجلس النيابي الرقم 25 تاريخ 8 تشرين الأول 2008، على لصق نتيجة الاقتراع المؤقتة فور الإعلان على باب قلم الاقتراع». ولفت فغالي إلى خلاف نشب بشأن الأرقام التي سمّاها وزير الداخلية زياد بارود «تقريبية» لانتخابات بيروت، والتي ناقضتها أرقام تيار المستقبل.
وتبرز أهمية نشر النتائج في كونها تقدّم المعلومات الأساسية التي تتيح قراءة علمية للانتخابات، ويحتاج إليها اليوم المعنيون بفهم الاستحقاق وتحليله، ومنهم الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات ـــــ «لادي» التي لم تستطع أمس تقديم لائحة نهائية بأسماء البلدات اللبنانية التي فازت بالتزكية بعد انقضاء المهلة، بسبب عدم صدور النتائج النهائية. وتعدّ هذه المعلومة أساسية بالنسبة إلى الجمعية التي ارتكز تقريرها الإجمالي أمس على هذه المعلومات، لتثبت فرضيتها القائلة بغياب حرية الانتخابات من خلال ضغوط مورست على حرية الترشّح في البلدات التي شهدت توافقات.
وفي هذا الإطار، حمّلت الجمعية المسؤولية لوزارة الداخلية، وإن بلطف. فورد في تقريرها أن أحد العاملَيْن اللذين أتاحا الضغط على المرشحين للانسحاب من العملية الانتخابية هو «استشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، والتي ذهبت في تفسيرها للفقرة السادسة من المادة 25 من قانون الانتخابات البلدية والاختيارية، في اتجاه مخالف للممارسة السائدة ولمبادئ الديموقراطية وضرورات حسن التنظيم والمساواة أمام القانون، حين رأت أنه يجوز قبول سحب الترشيح حتى ما قبل موعد الاقتراع مباشرة». وفي هذا الإطار، «جدّدت الجمعية نقدها لهذا الاجتهاد، ونقدها أيضاً للتعامل «المحايد» لوزارة الداخلية مع الاستشارة، نظراً إلى طابعها الاستشاري وإلى عدم إلزاميتها».
«
التضليل» هو الانتقاد الإضافي الذي تعرّضت له الداخلية على لسان فغالي، والحكومة في تقرير «لادي»، إذ تطرّق الطرفان إلى المماطلة في إعلان موعد الاستحقاق الانتخابي، والإيحاء باحتمال حصول تأجيل له. وقد كان فغالي مباشراً في تحميل الوزارة المسؤولية «مع بداية الدعوة إلى الانتخابات التي ترافقت مع إيحاءات باحتمال حصول تأجيل، ما أثّر على عملية استعداد المرشحين للانتخابات. وقد مارست مماطلة متعمدة في دعوة الهيئات الانتخابية وتحديد عدد أعضاء المجلس البلدية الذين سينتخبون لكلّ بلدية وعدد الأعضاء الذي يعود لكل قرية في البلديات التي تضم أكثر من قرية واحدة والذي يجري الترشيح على أساسه». أما تقرير «لادي» فقد أشار إلى «الصمت الرسمي والسياسي الذي كان سيّد الموقف، وسط شائعات وأقاويل عن تأجيل الانتخابات (...) ولم يتضمن البيان الوزاري للحكومة التزاماً صريحاً بشأن موعد الانتخابات البلدية وبشأن إدخال إصلاحات على الانتخابات البلدية».
إلا أن نقاط اللقاء بين فغالي و«لادي» تتوقف عند هذا الحدّ، لأن الأوّل لم يوفر الجمعية في كلمته، منتقداً إعادة التشريع لها وهي «التي لم تلتزم بميثاق الشرف بانحيازها الفاضح خلال انتخابات عام 2009، وعدم إصدارها تقريرها حتى اليوم، على الرغم من إنفاقها، في الحد الأدنى، نحو مليون و300 ألف دولار»، كذلك فنّد ما ورد في تقريرها الرابع وعدّه منحازاً، وهو ما كان عرض له في «الأخبار» تحت عنوان «مراقبة الحيادية في تقارير مراقبة الانتخابات»، السبت الفائت.

الأمين العام للجمعية زياد عبد الصمد سئل عن الانتقادات التي وجهها فغالي، فرفض الردّ عليها. إلا أن مضمون التقرير ردّ على «بعض الاتهامات بالانحياز»، فأعلن تقبّل الجمعية للنقد، متمنّياً «على أصحاب الملاحظات ألّا يدفعوا بنقدهم إلى حدّ مطالبة الحكومة أو وزارة الداخلية بالعودة إلى الأساليب البوليسية ونزع الصفة والمنع من المراقبة، وما إلى ذلك من التعابير غير المناسبة. إن الضرر الذي يمكن أن يلحق من جرّاء مطالبات من هذا النوع، ومن التشكّك المعمّم في صدقية منظمات المجتمع المدني وحياديّتها، وفي هذه الحالة جمعيتنا والتحالف اللبناني لمراقبة الانتخابات، يمكن أن تكون له ارتدادات سلبية على الجميع».
يذكر أن جمعية «بلدتي»، العضو في التحالف اللبناني لمراقبة الانتخابات، كانت قد أعلنت تعليق عضويتها في التحالف. وردّ المهندس شاكر نون السبب إلى غياب آلية إدارة هذا التحالف، موضحاً لـ«الأخبار» أن «لادي» كانت تصدر تقاريرها من دون استشارة أو إشراك الجمعيات المنضوية معها في التحالف. وأكد الاستمرار بتعليق العضوية «إلى حين إيجاد الآلية المناسبة».

Reference: Al-akhbar.com