عندما تصبح الفضائح بعضاً من ممارسة تستقوي على القانون وتتجاوز مفاعيله، فذلك يعني إمعاناً في العبث المقونن بحق الطبيعة والبيئة التي نعيش بين ظهرانيها، وهذا ما ينسحب على بلدة المتين في المتن الشمالي، وهي تواجه الآن تبعات محفار رمل في العقار 4093 (منطقة المتين العقارية) المعروفة بمرج البقرة، تم استحداثه تحت ستار رخص نظرية من وزارة البيئة ومحافظة جبل لبنان والمجلس الوطني للمقالع والكسارات، لم تراع الحد الادنى من معايير بيئية، خصوصا أن المنطقة تضم أشجارا مثمرة ومناطق تشكل امتداداً لطبيعية البلدة.
في موازاة المحفار المستحدث لا تزال البلدة تواجه ملف قضم مساحات شاسعة من الاراضي المشاعية لمصلحة بلدية بتغرين منذ العام 1978، وتمكنت من ملاحقة هذا الامر قضائياً وصولاً إلى صدور قرار قبل أشهر عدة قضى بإعادة درس الملف قبل اتخاذ القضاء قرارا نهائياً بهذا الخصوص، ولا تزال هذه القضية في عهدة مجلس شورى الدولة، لتتصدى اليوم لهذا الملف بكل نتائجه وليس أقلها تدمير البيئة الطبيعية للبلدة.
البلدية والبيئة
وفي هذا السياق، التقت «السفير» رئيس المجلس البلدي زهير ابي نادر، فأشار إلى أن وفدا من المجلس البلدي التقى وزير البيئة محمد رحال في مكتبه في الوزارة الأسبوع الماضي، لافتاً إلى «اننا عرضنا عليه موضوع الترخيص وواقع الحال الموجود على الارض، ولاحظ الوزير ان ثمة مخالفات واضحة لشروط الترخيص المعطى للمستثمر، وقرر ايفاد خبير من الوزارة»، وأضاف ابي نادر «وبالفعل حضر في اليوم التالي الخبير المهندس نديم ابو رجيلي وقام بالكشف الميداني، ورافقه عدد من أعضاء البلدية لإرشاده الى الموقع»، وأكد «اننا في انتظار النتائج، خصوصا أن الوزير رحال وعدنا بإقفال المحفار وسيتخذ التدابير اللازمة لإيقاف التجاوزات بعد أن تأكد انه لمس مخالفات تقتضي اتخاذ مثل هذا الإجراء سريعا».
وفي المقابل، دعت بلدية المتين أهالي البلدة وفاعلياتها الى اجتماع عقد في صالون كنيسة مار جريس لعرض المستجدات على الاهالي، وما آلت اليه الاتصالات الاخيرة مع وزير البيئة، ليكونوا على بينة من سائر التفاصيل، خصوصا أن هذه القضية أصبحت الشغل الشاغل للمواطنين مع اتساع رقعة عمل المحفار.
كتاب الى محافظ جبل لبنان
وفي إطار المتابعة رفعت بلدية المتين - مشيخا كتابا مفتوحا الى محافظ جبل لبنان، طالبت فيه بوقف العمل بالترخيص الصادر عنه وجاء فيه: بتاريخ 28/8/2010 صدر عن سعادة المحافظ القرار المشار اليه أعلاه باستثمار مؤسسة من الفئة الثانية (محفار للرمل الصناعي) على العقار رقم /4093/ من منطقة المتين العقارية، في الواقع ان هذا العقار يقع في صلب بيئة مائية ويشكل من حيث طبيعته الرملية خزاناً طبيعياً للمياه الجوفية التي تغذي الينابيع والآبار المجاورة ومحاطا بالبساتين المثمرة وبالمساحات الزراعية، كما يقع ضمن المنطقة المصنفة سياحية واصطياف التي يمنع فيها أي استثمار آخر أو مخالف وبالاخص المؤسسات المصنفة، وعلى مقربة من المنازل السكنية والمجمع السياحي المعروف بـ«الزعرور».
وتوقف الكتاب عند «عدم توافر الشروط في الترخيص المشكو منه»، لافتاً إلى أن العقار رقم /4093/ من منطقة المتين العقارية موضوع الترخيص يقع ضمن النطاق البلدي والعقاري للمستدعية، التي لم تبلغ أي شيء بهذا الخصوص، ولم يحل اليها طلب الترخيص لإبداء الرأي بحسب الاصول المرعية الإجراء، لارتكازه على إفادة صادرة عن بلدية بتغرين وهي ليست صاحبة صلاحية ومضمونها مخالف للواقع لان الينابيع المشار اليها في بيانات الإفادة العقارية للعقار المذكور وتلك الموجودة بجواره ما زالت تغذي البساتين والمزروعات المحيطة به لغاية اليوم رغم قلة تساقط الثلوج في فصل الشتاء المنصرم وموجة الحرّ التي انحسرت مؤخراً»، وأشار الكتاب إلى أنه «يمكن لكل زائر التأكد من ذلك بأم عينه دون الحاجة الى تقرير جيولوجي بهذا الخصوص، لان المحفار المذكور لا يراعي المسافات المفروضة قانوناً، كونه يبعد بضعة أمتار عن المنازل السكنية وعن مدخل المجمع السياحي الشهير، الزعرور»، وأكد أن «العقار موضوع الترخيص يقع ضمن منطقة ارتفاقية يمنع فيها استثمار مؤسسة مصنفة من الفئة الثانية، واذا اعتبر محفاراً فإن موقعه ايضاً غير ملحوظ في المخطط التوجيهي العام للمقالع والكسارات، لان الرمال المستخرجة تباع لورش البناء وليس الى المؤسستين المذكورتين في طلب الترخيص لاستعمال تلك الرمول في صناعاتهما، علماً ان الكميات المرخص له باستخراجها سنوياً والمحددة بـ/4800/ م3 قد تم استخراجها ونقلها خلال الايام القليلة المنصرمة وأصبح مخالفاً لشروط الترخيص المعطى له، لتجاوزه الكميات المرخص له استخراجها، فيما لو صحّ هذا الترخيص».
ولفت الكتاب إلى أن «صاحب الترخيص قد استدرج عمداً الادارة المختصة الى الخطأ واستحصل على ترخيصه دون وجه حق»، وطالب «تداركاً لأي أضرار لا يمكن التعويض عنها باتخاذ القرار الفوري بوقف العمل وسحب الترخيص المشكو منه».
تجاوز بلدية المتين
عضو المجلس البلدي المحامي زياد سلامة، أكد أن «أهالي بلدة المتين يعدون لأوسع تحرك شعبي في نهاية الأسبوع، رفضاً لهذا المحفار الذي يمثّل تعدياً واضحاً على البيئة، وخصوصاً الينابيع والمزروعات والبيوت التي لا تبتعد عنها أكثر من 500 متر في حد أقصى، فيما الترخيص يشترط أن تكون بعيدة 100 متر عن أقرب منزل في حد أدنى».
وانتقد المواطن فادي القنطار «صدور قرار عن محافظ جبل لبنان بالتكليف القاضي أنطوان سليمان قضى بالترخيص للمحفار لمدة خمس سنوات يتم تجديدها عاما بعد عام بعد موافقة المجلس الوطني للمقالع والكسارات»، وأشار الى أن «المدعو ر. س تمكن من الحصول على توقيع من المحافظ بترخيص استثمار مؤسسة من الفئة الثانية تشتمل على محفار رمل صناعي وبحسب الإفادة العقارية»، واستغرب القنطار أن «الأوراق التي قدمها ر. س. للحصول على الترخيص ضمت كتاب موافقة موقعاً من بلدية بتغرين، وأن بلدية المتين لم يؤخذ برأيها في الترخيص، بل إن مجلسها البلدي علم بموضوع المحفار بعدما أفاد الشرطي البلدي بأن العمل قد بدأ به»، وقال «تجاوز بلدية المتين ليس المخالفة الوحيدة التي ارتكبها كل من وقع على الترخيص، بل إن الملف مثقل بالتجاوزات التي تدعو إلى التشكك في مدى استسهال الإدارات الرسمية بإعطاء التراخيص من هذا النوع، خلافا لما كان قد وعد به الوزير محمد رحال وتأكيده أنه لن يمنح ترخيصاً لصاحب كسارة أو مرملة إلا بعد استيفاء كامل الشروط ودفع الضرائب والرسوم، والتعهد بتأهيل الأرض المستثمرة».
ورأى ابن البلدة فادي ناكوزي أن «المخالفة الأكبر تتمثل في مخالفة شروط الترخيص نفسه، ليس فقط في عدم قانونية الأوراق التي استند إليها»، لافتا الى أن «المحفار مرخص لاستخراج رمل يصلح لصناعة طلاء الجدران (البويا)، بكمية لا تتجاوز 4800 م3 في السنة، وعلى مساحة لا تتجاوز 800 متر مربع»، وأكد أن «أعمال الحفر وعدد الشاحنات التي تدخل وتخرج يومياً تشير إلى انه تم استخراج في غضون أسبوع واحد كمية تتجاوز ما هو مسموح له باستخراجه في سنة»، ورأى أن «هذا الأمر يستدعي إلغاء الترخيص فوراً لمخالفة الشروط المنصوص عليها».
تجدر الاشارة إلى أن المرسوم 8803 المتعلق بتنظيم المقالع والكسارات نص على وجوب أن يقدم طلب الترخيص إلى المحافظ مرفقاً بجملة من المستندات، ومنها إفادة ارتفاق وتخطيط، وذلك لتبيان مدى انطباق الترخيص مع المخطط التوجيهي العام للمنطقة واحترامه التصنيفات والشروط القانونية المعمول بها، فيما نصت المادة الثامنة من المرسوم نفسه على وجوب إحالة طلب الترخيص إلى البلدية المختصة لإبداء الرأي، لكون رأيها ملزماً ولا يمكن اعطاء الترخيص من دون موافقتها.
وزارة البيئة
مصدر مسؤول في وزارة البيئة أكد أن «معالي الوزير أبدى اهتماماً بهذا الموضوع وأوفد خبيرا اليوم للكشف على الموقع»، لافتاً إلى أن «الوزارة تتابع تفاصيل مرتبطة بهذا الموضوع خصوصا أن ثمة قرارا واضحا من معالي الوزير رحال يقضي بدراسة الاثر البيئي لأي نشاط أو مشروع»، وأكد المصدر أن «هذا الامر لمسه وفد بلدية المتين ـ مشيخا خلال لقائه الوزير رحال».
وعما اذا كان سيصدر قرار يقضي بإيقاف المحفار أكد المصدر «أن رحال شدد على انه لا يقبل بوجود تعد على البيئة تحت أي ستار».