سدّ العزونية "حطّ" في عين
دارة... والبلدية ومالكو الأرض آخر من يعلم !. وزارة الطاقة تكتفي بدراسة
"ايجابيات غير مرئية" والأهالي ينعون بيئتهم
كتبت منال شعيا-
خريطة تظهر الجهات الاربع المحيطة
بعين دارة: الكسارات والمرامل ومشروع السدّ وخط التوتر العالي، اضافة الى المنطقة
الصناعية وهي مأخوذة من دراسة جامعية لدارين المولى وامال عثماني في الجامعة
الاميركية، قسم العلوم البيئية. حجم المرامل في عين دارة.
اشجار الصنوبر المعمرة والمهددة
بالاقتلاع. نموذج من الغطاء النباتي من الاشجار المثمرة والحرجية والمعمرة،
المهددة بـ"الاعدام".
انه مشروع سدّ العزونية، هكذا تورد
التسمية الرسمية. لكنه منذ اشهر بات مصدر قلق لأبناء عين دارة، حتى ان البعض وصفه
"بالمجزرة" في حق الطبيعة والارض. الاهالي ضائعون، يسمعون اطنانا من
الشائعات ولا معلومات رسمية عندهم. فما هي حقيقة المشروع، خلفياته ومبرراته
وانعكاساته، ولماذا نقل من العزونية الى عين دارة، وما رأي وزارة الطاقة؟
بدأت القصة في الصيف الفائت حين سمع
بعض اهالي عين دارة أن سداً سينشأ في بلدتهم. عدد قليل منهم شاهد، وبالصدفة،
مسّاحين في الارض، مما اثار حفيظة عدد كبير منهم، لاسيما المالكين والشباب الذين
يروون انه في حال انشىء السد لن يبقى امامهم متنفس طبيعي بسبب خسارة المساحة
الاكثر خصوبة زراعيا، والاكثر تمدّدا للعمران.
مذذاك تجمع عدد من الشباب وقرروا
التصدّي للمشروع. هم من
مالكي الارض وناشطون بيئيون، ويحضرون تحركهم في اتجاه عدد من المعنيين، علّهم
يدركون الحقيقة، لان ما من مسؤول "تكرّم" حتى اللحظة بالتحدث اليهم عن
تفاصيل مشروع السد او أي مرحلة بلغ، وخصوصا انهم المعنيون الاوائل بالمسألة. هم
ايضا يحضرّون لاخذ العلم والخبر لجمعية تعنى بالبيئة، وتعارض
"الانتهاكات" البيئية المتكررة في عين دارة، كما اطلقوا موقعا على
"الفايسبوك" بعنوان " لا لبناء سدّ في عين دارة"، وقارب العدد
الى الان 250 عضواً.
واخيرا، وزّعت بين الاهالي عريضة
"ترفض المشروع، وتعدد سلبياته"، وحصدت تواقيع غالبية المالكين، وسلّمت
الى رئيس بلدية عين داره سامي حداد.
يوضح رئيس البلدية: "اننا لم
نعلم بشيء من وزارة الطاقة ولا من الدولة اللبنانية ككل، فمنذ عامين ارسلنا كتابا الى
الوزارة، وقابلنا المدير العام فادي قمير، وحاولنا الاستفسار عن السد وخلفيات الابقاء
على اسم العزونية، على رغم ان السد بات في عين داره، وشرحنا له ان السد يتطلب
دراسة، لا سيما انه سيبنى على مساحة زراعية مهمة، لكننا لم نحصل على اي تفسير. ثم
عدنا واعدنا المحاضرة للاشارة الى ان ثمة قرارا بلديا في هذا الموضوع، وهو يوجب
وضع تقرير يشرح فيه الفوائد والسلبيات حتى يعلم اهل البلدة بالامر، وبمدى تأثيره
في البيئة والطبيعة والانسان والطيور، اضافة الى ان للناس عواطف ومن الصعب التخلي
عن ارضهم بهذه البساطة ومن دون علم او تفسير".
بعد مدة، جمدت المسألة، وفق رئيس البلدية،
قبل ان "يأتينا جواب من احد المديرين المهمين في وزارة البيئة (رافضا اعطاء اسمه) يفيدنا بما معناه
ان الامر لا يعنيكم".
واذ يكشف ان "شركتين عاينتا
الارض حيث السد، وافادت الاولى ان الارض غير صالحة، فيما اكدت الثانية عكس
ذلك"، اشار الى ان "ثمة دراسة للاستملاكات، لكنهم لم يسألوا احدا عنها،
فلا نعرف اذاً لماذا ينتخبون البلديات".
وحين تسأله عن سبب هذا التصرف، يجيب:
"لا يريدون وجعة رأس"، ويتابع: "ثمة فريق في البلدة يعارض وآخر
موافق شرط ان يعرف الخلفيات والتعويضات. واذا كان لا بد من سد في عين داره، فأهلا
وسهلا، لكن من حق من يضحي بالارض ان يعرف لماذا. لا نريد ان نحرم الجيران، انما من
حقنا المعرفة. يقال ان التلزيم جرى مرتين، في الاولى رفض، وفي الثانية اعتمد
متعهدان، الا ان السعر الرخيص اعتبر غاليا. بعدها لم نعد نعرف شيئا الى درجة اننا
لا ندري اي مرحلة بلغ المشروع؟".
وعن موقفه من المشروع، يقول: "
لا معارض ولا موافق. ما نريده كمجلس بلدي قرار رسمي من اجل وضع تقرير بيئي من
خبراء، وعين دارة تمتلئ بالمهندسين والعارفين، من اجل شرح تأثيرات السد في الجوار والمحيط
والرمول".
بين الملخص والدراسة:
51 هكتاراً
في المقابل، يبرز موقف الشباب
الرافضين. روجيه حداد، احد هؤلاء، يشرح ان " الخطة العشرية للسدود اقرّت
العام 1999، ومن ثم عدّلت في 2003"، ويقول:
"بالصدفة، شاهد المزارعون المسّاحين، فعلموا بالسد، وانه هو نفسه الذي اطلق
عليه اسم العزونية، الا ان عين داره هي التي ستخسر جزءا من اراضيها لانشائه، من
هنا، نطرح علامات استفهام حول الامر، فهل عن خطأ او عن سوء نية خدع الاهالي
بايهامهم ان السد هو من ضمن اراضي قرية اخرى وليس ضمن اراضيهم وبالقرب من
بيوتهم"، ويحمل المسؤولية "للمجالس البلدية في عين دارة التي تعاقبت على
القرية منذ 1999، لكونها السلطة المحلية المخوّلة المشاركة في اقرار بناء سد او
عدمه، ولوزارة الطاقة التي لم تعلمنا".
يبرز حداد ملخص دراسة وحيدة استطاعوا
الحصول عليها، وبجهدهم، علّهم يفهمون شيئا، الا ان الغموض زاد. مصدر الملخص وزارة
الطاقة، وهو يعود الى حزيران 2006، وبعنوان
"بحيرة العزونية، حصيلة الدراسات الفنية والجدوى الاقتصادية"، وفيه ان
"مناطق عاليه وبحمدون والشوف الاوسط تعاني ازمة مياه حادة (...) وقد وضعت
وزارة الطاقة خطة للافادة من المياه السطحية ومياه الينابيع المتدفقة (...) وشملت
الخطة دراسة لانشاء سد العزونية في عاليه، سعته 4,1 ملايين متر مكعب (...)".
واللافت ان بلدة عين داره ليست مدرجة في المناطق التي يصنفها الملخص من المستفيدة
من السد.
الشاب جيلبير بو فيصل، وهو احد
المالكين، يرفض ايضا المشروع. يعلق: "من الغرابة ان نقبل بخسارة اخصب منطقة
زراعية واكثر منطقة صالحة للشجر من اجل سد، كما ان تسميته بسد العزونية اشعرنا
بأنه بعيد عنا، وليس في ارضنا". وبوفيصل من الشباب المتعلقين بالارض، وهو
متزوج ويسكن في عين داره، وليس مستعدا للتنازل عن ارضه "من اجل سد لا منافع
له بل جملة اضرار"، وفق ما يقول.
وفق الملخص، ان "الضرر البيئي
الوحيد المحتمل هو خسارة مساحة زراعية تقدر بنحو 10 هكتارات مزروعة بأشجار الدراق والتفاح
والكرز والخوخ".
اما روجيه حداد فيشير الى ان الملخص
يتحدث ايضا عن ان مساحة الاستملاك الضرورية ستكون 51 هكتارا، وان سد وبحيرة
العزونية سيقعان في واد جنوب بلدة عين داره او وادي البلدة، اي ان المشروع سيبنى
على مساحة 510 آلاف متر مربع على ارض تعرف"بالمارغة"، وهي مئة في المئة
ضمن اراضي عين داره، وهي الاكثر خصوبة وجمالا في هذه البلدة من قضاء عاليه، لكونها
سهلا زراعيا، وبالتالي فان كل هذه المنطقة ستتأثر سلبا، اي ما مساحته 51 هكتارا.
يوضح: "نريد ان نفهم حقيقة الامر. ان ضمن المارغة ثلاثة ينابيع تغذي هذه
الاراضي، والمؤسف ان في هذه المساحة ايضا اشجارا حرجية وهي المورد الرئيسي
للتدفئة، وأشجار الصنوبر المعمرّة التي لا تقدر بثمن، وتشكل مورد رزق اساسي. في
الواقع، فان المشروع سيهدّد 51 هكتارا من الأراضي الزراعية الفائقة الخصوبة، إذ ستقتلع
آلاف الأشجار المثمرة من دراق وأجاص وتفاح وكرز وتين وعنب وكيوي ولوز وجوز وغيرها،
وليس كما ذكر الملخص 10 هكتارات فقط".
هو تناقض لم يبدده مرة كلام من مسؤول
بلدي او توضيح من وزارة، والاهالي يجمعون على انهم خدعوا بالاسم، بحيث كانوا
يشعرون بأن سدّ العزونية بعيد عنهم. الا ان "النهار" حاولت الاستفسار من وزير
الطاقة السابق ألان طابوريان الذي اوضح ان هناك خطة عشرية للسدود، وثمة سدود تمّ
تلزيمها، الا ان المعلومات عن موقعها والمساحات الضرورية للاستملاك ومراحل العمل
المنجزة هي تفاصيل في حوزة المدير العام للوزارة فادي قمير.
"النهار" اتصلت بقمير الذي اكتفى
بتزويدنا عبر الفاكس دراسة انجزت في شباط 2009.
تبدأ الدراسة بذكر مشكلة النقص في
المياه، وبأن السد سيؤمن المياه لحدود السنة 2025، وهي تحدد موقع
السد في واد جنوب بلدة عين داره على ارتفاع 1050 مترا. وفي الدراسة التقنية
تفاصيل عن ضرورة انتشال الصخر من منطقة المارغة. واذ تلفت الدراسة الرسمية الى ان
"المشروع اخذ في الاعتبار المعايير البيئية المعتمدة من المنظمات
الدولية"، قالت ان "لا تأثيرات سلبية على البيئة ولا ترحيل سكانيا من
المنطقة حيث المشروع، كما ان له تأثيرا ايجابيا على الزراعة والسياحة".
واكتفت الدراسة بتسجيل ضرر بيئي وحيد
هو خسارة 30 هكتارا، مؤكدة ان "ثمة ايجابيات غير مرئية وغير مسجلة بالارقام
تتعلق بالبيئة والسياحة والتطور الاجتماعي والزراعة والاقتصاد والتنظيم المدني
وغيرها"، من دون ذكر التفاصيل.
المفارقة ان الدراسة الرسمية تحمل
المعلومات نفسها كالملخص، مع بعض التعديلات حول المساحة المتضررة، والتي ارتفعت من
10 هكتارات الى 30 هكتارا.
انحسار الحيز الطبيعي-
اذاً الوزارة اكتفت بدراسة، والشباب
يقلقهم ان المشروع "يمرّر" بلا علم او شرح. واول شكوى عندهم انحسار
الحيز الطبيعي، لان "المارغة" تعتبر الحيز الاستراتيجي للتمدد العمراني.
يقول الشاب شاكر يمين: "عين دارة
غير مستفيدة من السد، والنتيجة ان الارض ستطير، والبيئة ستتضرر، والاهم ان لا تبليغ
رسميا لنا بما قد يحصل. الكسارات قضت على التفاح عندنا، والمرامل شوهت طبيعتنا،
والان السد يخرّب البقية".
في نظر هؤلاء الشباب، لا تتوقف
السلبيات عند هذا الحد، وهم يعتبرون ان الدراسة اشبه "بمشروع غير مدروس"،
ويسأل حداد: "من هي هذه المنظمات الدولية التي درست انعدام الاضرار؟ ثم ان
انتشال الصخر سيحول عين دارة معمل كسارات ومقالع تهدّد بتفريغ البلدة، فيما
الدراسة تشير، وبسخرية، الى ان لا ترحيل سكانيا. لماذا لا يتعاملون معنا بشفافية
ووضوح، ام اننا سنخسر ارضنا بلا تفسير وعلم؟ ان الدراسة احتقار للناس وعقولهم.
يكفي الصنوبر الذي سنخسره. انها ابادة زراعية، ونسأل هل المشروع منجم ذهب للبعض
حتى تسترّوا على السلبيات؟".
الشباب يوردون "قائمة من
الاضرار" لجهة تدمير البيئة وتحلل المواد العضوية وانتاج الغازات المضرّة
والابخرة. يعلق حداد وبو فيصل ان "وقوع السد في أسفل التجمع السكاني سيؤدي إلى تلوث في البحيرة،
واذا لم تعالج مشكلة الصرف الصحي قبل بناء السد عبر اقامة شبكة مجارير، فسيصل التلوث
الجوفي إلى مياه البحيرة. اما النفايات الصلبة، كمخلفات النزهات في الطبيعة ومكبات
النفايات المنزلية العشوائية الموزعة على مجرى النهر، فسنجدها تطفو على سطح
البحيرة، وتبقى المبيدات الزراعية المستعملة بكثافة في عين دارة، والتي ستحملها
مياه الري الى النهر، والنهر سيحملها بدوره الى البحيرة".
اضف الى هذه "القائمة"
الخطر الزلزالي، اذ يكشف تقرير اعدّه هؤلاء الشباب ان " في عين دارة يمر
فالقان زلزاليان، والمفارقة ان السد سيبنى مباشرة على فالق منهما، مما يشكل خرقا
للقوانين الطبيعية، فالسد سيزيد ظغطا غير طبيعي على الطبقة الصخرية المتشققة ويزيد
من احتمال حصول زلازل".
هكذا، جمّع هؤلاء الشباب "سلسلة
الاضرار"، ولم يغفلوا عن ان "ثمة مشكلة ستبرز على صعيد الاراضي"،
ويلفتون الى انه " اذا انجز ملف الاستملاك، فسنواجه مشكلة تقنية واجتماعية،
لكون الاراضي ليست كلها مسجلة، ولا يستطيع الجميع الحصول على المال. والمعروف ايضا
ان عددا كبيرا من الاهالي يستثمرون اراضي هي لهم بالعرف وليس بالقانون، ثم كيف لسد
ان يبنى تحت تجمع سكاني، فيما ملخص الدراسة التي حصلنا عليها، لم تلحظ، ضمن الفقرة
التي تحدثت عن الكلفة الاجمالية للمشروع، اي ميزانية لمحطة ضخ، على رغم ان مياه
الينابيع الثلاثة يفيد منها بالأساس ابناء عين دارة، وهي مرشحة للإختفاء لتحل
محلها بحيرة إصطناعية ومسيّجة لن يحصل منها الأهالي على نقطة ماء واحدة".
اما لاسعار الارض حكاية اخرى. تضارب
واخبار عن سعر خيالي. فمن جملة المعلومات التي تصل الى اهالي عين داره، ان اثمان
بيع الارض ستكون مرتفعة، وان تعويضا قيمته مليون ليرة سيدفع مقابل كل شجرة كبيرة
الحجم. الا ان نتيجة المعلومات الواردة في ملخص الدراسة، وفق حداد وبوفيصل، تفيد
ان سعر المتر الواحد لن يتعدّى الـ12 دولارا، في منطقة قد تصبح ملجأ سكانيا في
المستقبل، وسط "التضخم" في المدن، لا سيما اذا ابصر مشروع الاوتوستراد
العربي النور، الامر الذي سيؤثر ايجابا، ويشجع على العمران مما يؤدي الى رفع سعر
المتر تلقائيا".
ولكن هل صحيح ان المشروع لن يجلب لعين
دارة سوى "الويلات"، أما من ايجابيات؟
يجيب حداد: "يقولون ان السد
مسيّج، ويتحدثون عن متنزهات؟ الواقع ان المنطقة ستصبح منكوبة صناعيا، مع وجود محطة
التكرير، ومعمل التكرير سينتج رمولا شديدة السمومة وهي ستتجمع وترمى في اي مكان في
عين داره، كما ان ثمة مرامل على حدود السد، فعن اي سياحة يتكلمون؟".
ويلاقيه بو فيصل: "البحيرة ستصبح
مستنقعا في الصيف، فهل من إمكان بعد لسياحة ومتنزهات؟ واذا كانوا يدّعون بناء
مطاعم، فان المنافع لن تكون حتما بحجم المساوئ، ولا يمكن ان تفيد قلّة مقابل اضرار
قد تلحق بخمسة آلاف بشري؟!".
عين دارة "تختنق"
وفق الدراسة الرسمية، ان ملف
الاستملاك في طور التنفيذ، اما حداد فيقول: "لا ندري ماذا يعني هذا الكلام،
ونحن لم نعلم بشيء. أبهذه البساطة نخسر اراضينا؟ هل الارض سائبة؟ لم يكلّف احد
نفسه التكلم مع مالكي الارض اولا، فيما يرددون صبحا ومساء كلاما عن تثبيت
المسيحيين في قراهم وتشجيع الشباب على الاعمار. ما هذه الازدواجية ؟!".
المفارقة ان اهالي عين دارة باتوا
يعيشون على "الشائعات"، فثمة اخبار تقول ان المشروع بات في مرحلة متقدمة
من التنفيذ، ويسأل الشباب: "ايعقل ان تكون كل المراحل قطعت، من استملاك
وتلزيم، ونحن آخر من يعلم؟ اذ كيف سيبدأ التنفيذ قبل ان يتكلموا مع اصحاب الارض،
او حتى ان تطلب منهم تسوية اوضاعهم، نظرا الى مشكلة الاراضي هناك؟".
هؤلاء الشباب لم يعارضوا المشروع
وحسب، بل حضرّوا الكثير من الملفات وبجهد شخصي، واذا كان لا مفرّ من بناء سد في
عين داره، فانهم يقترحون البديل، وهو ان ينفذ المشروع على ارتفاع 1700 متر، اي صعودا
نحو خمسة كيلومترات، حيث يقع مجرى نهر. عندها، تنتفي كل المشكلات السابقة، لا سيما
ان الاراض هناك "مزروعة" بالكسارات، وبالتالي غير صالحة للزراعة، ولا
تجذب للسكن، اضافة الى خط التوتر العالي الذي "يظلل" فضاءها.
من هنا، ان قصة عين داره مع المشكلات
البيئية لا تنتهي عند حدود سدّ، انما هناك مرامل وكسارات، واذا ما بني السد في
"المارغة"، فستصبح البلدة محاطة ومن جهات اربع بالكسارات والمرامل والسد
والتوتر العالي، فلا يعود هناك سوى منفذ واحد، وهي الطريق المؤدية من البلدة الى
المديرج على طريق الشام والتي بدأت تشهد بناء معامل، مما يمنع ايضا تطوّرها
عمرانيا وزراعيا. هي باختصار "مجزرة بيئية"، ضحيتها اكبر بلدة في قضاء
عاليه، وثاني اكبر بلدة في لبنان.
يروي حداد ان "السد كان آخر حلقة
من مسلسل الكوارث البيئية، ففي بداية التسعينات تم شراء اراض بطريقة غير قانونية وتحول
جزء منها ما يعرف بكسارات فتوش والصليبي، وباتت الكسارات اكبر من مساحة البلدة
كتجمع سكاني. والان، لا مرامل في لبنان الا في عين دارة، تحت غطاء "رخصة
استصلاح الاراضي".
رئيس البلدية لا يجيب عن هذا الموضوع،
ويكتفي بالقول: "الامر معقد، لنركّز على السد".
في النتيجة ان جزءا من الجبل قضم،
وعددا من الاراضي لم يعد ينفع معه "الاستصلاح"، في بلدة تمتاز بأشجار الصنوبر التي تعد في
الكثير من البلدان من الزراعات الاكثر تطورا.
اللافت ان الدراسة الرسمية لم تشر الى
اشجار الصنوبر المهددة "بالاعدام"، ومع السد، سيتضاءل كل الحيز الطبيعي،
الامر الذي دفع بالشباب، الى جانب عدد من الناشطين البيئيين، الى تنفيذ اعتصام في
24 تشرين الاول الفائت لوقف المرامل. وهذا ما تمّ. الا انه من الغرابة ان ثمة
شائعة تسري عن ان "المرامل "ستقلّع" في المارغة، بحجة الافادة من
الرمول، ما دام السد واقعا لا محال. فلماذا لا نستفيد؟! هكذا تتعدّد
"الكوارث" في بلدة واحدة، فتصبح محاطة من الجهات الاربع بأراض فقدت قيمتها
الإقتصادية والبيئية والزراعية والعمرانية والجمالية، وتكاد عين دارة "تختنق".
وعين دارة التي عانت الكثير من
اسرائيل وسوريا معا، ابان حرب الجبل، ولاحقا في مرحلة الزمن السوري، لم يترك اهلها
بيوتهم مرة، بحيث لم تتعرض لتهجير طويل على غرار قرى عاليه والشوف. كل هذه المآسي والحروب
والجيوش لم تخرّب طبيعتها، اذ يروى عن ان الكثير من الاهالي كانوا يقصدون البلدة
في عزّ الحرب للاعتناء بأرضهم الزراعية لئلا تموت ثروتهم. والسؤال: ايعقل ان تخسر عين دارة في
زمن السلم ما لم تخسره في زمن الحرب؟ ام ان الوزارة ستستمع الى الاهالي وشكواهم
Reference: Tayyar.Org
Sereen Mageed Bou Zein Eldeen
16 years ago